لم تعد غزة تحتمل أكثر مما يعانيه سكانها، فقد أصبحت الألوان جميعها موشحة بالسواد، وأقل ما يمكن وصفه بأن النسبة الأكبر من ساكنيها أصبحوا جثث متحركة فوق الأرض، لا أمل لهم في حياة إلا تحت الأرض، نتيجة حصار ظالم مستمر منذ أكثر من ثماني سنوات، فرضه المجتمع الدولي دون وجه حق، تلاه ثلاثة حروب خلفت الدمار وتزايدت نسبة البطالة بين العمال وصفوف الخريجين، ونتيجة الانقسام بين الأخوة الفلسطينيين تعمق الحصار والألم لشعبها، كما ساهمت المتغيرات الإقليمية وخاصة في مصر، باستمرار إغلاق معبر رفح، المنفذ الرئيسي للغزيين، والذي يتمكنوا من خلاله تخفيف معاناتهم، خاصة المرضى الذين تستدعي حالتهم الحرجة العلاج خارج غزة، والطلبة الملتحقين في جامعات عربية أو أجنبية، والعاملين المقيمين خارج الوطن.
لأكثر من ثماني سنوات ينتظر الشعب الفلسطيني المصالحة بين الأشقاء من حركة فتح وحماس، ومعبر رفح من أهم نقاط الخلاف بينهما، والعديد من الفصائل الفلسطينية طالبت بحل مشكلة رفح كمقدمة منفصلة للتمهيد للمصالحة العامة وفي نفس الوقت للتخفيف عن معاناة سكان غزة، إلا أن جميع هذه الفصائل وللأسف لا تملك القوة في فرض مقترحاتها ورؤيتها لحل مشكلة المعبر على كلا الطرفين المتنازعين وكأن الوطن يكمن في السيطرة على معبر رفح.
كلنا ندرك ونؤمن بأن الانتخابات وصوت الناخب في جميع دول العالم له كلمة الفصل في اختيار الرئيس وأعضاء البرلمان ومكونات الدولة، وأن الشعوب تقرر قيادتها ومصيرها، ولا يمكن فرض القادة بالقوة، وإن كان ذلك فلن يكون إلا لفترة، ربما تطول ولكنها لن تستمر، وعليه فإن الفصائل الفلسطينية بمجموعها لن تستثمر قوة الناخب وتعاملت هي أيضاً مع سكان غزة على أنهم جثث متحركة فوق الأرض.
الفصائل الفلسطينية باستثناء حركة فتح وحماس كثر يمكنها إذا أرادت ذلك أن تقوم بدورها وأهمها: الجهاد الإسلامي، الجبهتين الشعبية والديمقراطية، حزب الشعب الفلسطيني، جبهة التحرير العربية، جبهة التحرير الفلسطينية، حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني “فدا”، وجبهة النضال الشعبي، ولا نحتاج من هذه الفصائل إلى مقترحات وهمية، فقط من أجل الاستهلاك الإعلامي العقيم الذي لا يغير شيئاً، ولا يؤثر في الحياة العامة، وإلا تصبح هذه الفصائل بمجموعها هزيلة، لا تلبي أدنى متطلبات شعبها، بل نحتاج إلى فعل يسجل لها ويثبتها كفصائل فلسطينية على الأرض لها وزنها في التأثر والتأثير فلسطينياً وإقليميا ودولياً.
إن المقترحات التي قدمتها الفصائل الفلسطينية لحل مشكلة معبر رفح والتي لم تكن أكثر من حبر على ورق، يجب أن تدخل حيز التنفيذ، لتتحول هذه الفصائل من شاهد زور على هذه المعانة إلى شاهد حقيقي وأن تنئي بنفسها عن المشاركة في التسبب بالألم، وبذلك تصبح غير عاجزة عن التحرك لمصلحة شعبها.
جميعنا يدرك عالمياً أن القضايا الداخلية المهمة تحتاج أحياناً إلى استفتاء شعبي يقره الشعب بإرادته لان الشعوب سيدة نفسها، ومن الطبيعي أن تستمد هذه الفصائل قوتها من شعبها لتصبح بذلك أقوى من كلا الحركتين المتنازعتين، وهذا يستدعي:
أولاً: اجتماع وإجماع الفصائل الفلسطينية على صيغة توافقية بين حركة فتح وحماس مع مراعاة مصلحة الشعب أولاً لحل مشكلة معبر رفح بغض النظر عن حضورهما أو موافقتهما على هذه الصيغة التوافقية، آخذين بعين الاعتبار جمهورية مصر العربية والتي تعتبر طرفاً أيضاً في معبر رفح.
ثانياً: استخدام كافة وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية لتوضيح صيغة الحل للناخب في غزة مع الإعلان عن موعد محدد يجري فيه الاستفتاء.
ثالثاً: أن تعمل الفصائل الفلسطينية جميعها بتناغم وتوافق على التحضير ليوم الاستفتاء الشعبي.
في حال جرى الاستفتاء وأدلى الناخب بصوته، فالجميع مطالب بتنفيذ صيغة الحل، ومن لا ينفذ الحل، توجه هذه الفصائل المسؤولية له من خلال مؤتمر صحفي، وكذلك في حال تم تعطيل إجراء الاستفتاء من كلاهما أو من طرف بعينه، يتم أيضاً تحميله المسؤولية أمام الشعب الفلسطيني وأمام التاريخ عن معاناة مستمرة منذ ثماني سنوات وربما تستمر لسنوات طوال.
د. عزالدين شلح
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.