فيضانات آسفي: حصيلة ثقيلة وأسئلة مؤجلة حول الجاهزية وحماية الأرواح

abdelaaziz6ساعتين agoLast Update :
فيضانات آسفي: حصيلة ثقيلة وأسئلة مؤجلة حول الجاهزية وحماية الأرواح

عبد الله مشنوناتب صحفي ومحلل سياسي مقيم في إيطاليا

مهتم بالشؤون العربية، قضايا الهجرة والاسلام.

استفاقت مدينة آسفي، ومعها عدد من جماعات الإقليم، على واحدة من أعنف الكوارث الطبيعية التي عرفتها المنطقة في السنوات الأخيرة، بعد تساقطات رعدية استثنائية وقصيرة المدة، لكنها شديدة القوة، حوّلت أحياء وشوارع بكاملها إلى مجارٍ مائية جارفة، وخلفت حصيلة بشرية ومادية ثقيلة.

 

ووفق آخر المعطيات الرسمية المتوفرة إلى حدود الآن، ارتفعت حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 21 وفاة، بعد أن جرفت السيول عددًا من المواطنين، أو غمرت المياه مناطق سكنية بشكل مفاجئ، فيما تم إسعاف 32 شخصًا، غادر معظمهم المستشفى بعد تلقي العلاجات الضرورية، في حين لا تزال بعض الحالات تحت المراقبة الطبية.

 

المثير للقلق أن هذه الخسائر وقعت خلال فترة زمنية وجيزة لم تتجاوز ساعة واحدة من التساقطات المطرية الغزيرة، ما أدى إلى تدفقات فيضانية مفاجئة، فاقت قدرة البنيات التحتية على الاستيعاب.

وقد تضررت بشكل خاص المدينة العتيقة، حيث غمرت المياه نحو 70 منزلًا ومحلاً تجاريًا، خاصة في محيط شارع بئر أنزران وساحة أبي الذهب، كما جرفت السيول حوالي 10 سيارات، وتسببت في شلل مؤقت لحركة السير بعدد من المحاور الطرقية.

 

كما تضرر المقطع الطرقي الرابط بين مدينة آسفي ومركز جماعة احرارة على الطريق الإقليمية رقم 2300، ما أدى إلى انقطاع حركة المرور، وعزل بعض المناطق لساعات.

 

عقب الكارثة، باشرت السلطات العمومية بإقليم آسفي تعبئة ميدانية واسعة، شملت فرق الوقاية المدنية، والأمن، والدرك، والسلطات المحلية، حيث تواصلت عمليات التمشيط والبحث عن مفقودين محتملين، إلى جانب تأمين المناطق المنكوبة، وتقديم الدعم الأولي للساكنة المتضررة.

 

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي تداول مشاهد صادمة تُظهر سيولًا موحلة تجتاح الشوارع، وتجرف السيارات والنفايات، فيما استعانت فرق الإنقاذ بالقوارب للوصول إلى بعض المنازل، في مشهد أعاد إلى الواجهة هشاشة التعامل مع الظواهر المناخية القصوى.

 

ورغم الطابع الاستثنائي للأمطار، فإن حجم الخسائر يطرح تساؤلات ملحّة حول جاهزية البنية التحتية، ونظام تصريف مياه الأمطار، والتخطيط العمراني، خاصة في الأحياء القديمة والمناطق المنخفضة.

فالكوارث الطبيعية، حين تتحول إلى مآسٍ بشرية بهذا الحجم، تكشف في الغالب عن تراكمات من الإهمال وضعف الاستباق، أكثر مما تعكس فقط قوة الطبيعة.

 

في سياق متصل، أصدرت المصالح المختصة تحذيرات من تساقطات مطرية وعواصف رعدية مرتقبة خلال الأيام المقبلة بعدد من مناطق المملكة، ما يفرض أقصى درجات اليقظة، وتسريع التدخلات الوقائية لحماية الأرواح والممتلكات، خصوصًا في المناطق المعروفة بهشاشتها.

 

ويأتي هذا الحدث في وقت يشهد فيه المغرب عودة قوية للأمطار بعد سنوات من الجفاف، وهو ما يجعل من الضروري التعامل مع التحولات المناخية الجديدة بعقلية استباقية، لا بردود فعل ظرفية.

 

ما وقع في آسفي ليس حادثًا محليًا معزولًا، بل جرس إنذار وطني يفرض إعادة تقييم شاملة لسياسات تدبير المخاطر الطبيعية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان حماية المواطنين، خصوصًا الفئات الهشة، في مواجهة ظواهر باتت أكثر عنفًا وتكرارًا.

 

فالرهان اليوم لا يقتصر على إحصاء الضحايا والخسائر، بل على استخلاص الدروس، واتخاذ قرارات شجاعة، حتى لا تتحول كل عاصفة مطرية إلى مأساة إنسانية جديدة.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading