عبد الله مشنون
كاتب صحفي ومحلل سياسي مقيم في إيطاليا
مهتم بالشؤون العربية، قضايا الهجرة والاسلام.
حمل المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة الروسية–الإفريقية، المنعقد بالقاهرة، دلالات تتجاوز جدول أعماله الاقتصادي والسياسي المعلن، ليعكس تحولات أعمق في طريقة تعاطي الفاعلين الدوليين مع القضايا الخلافية داخل القارة الإفريقية. فقد شكّل هذا اللقاء مناسبة لتكريس مقاربة تقوم على الواقعية السياسية واحترام الشرعية الدولية، بعيدًا عن منطق المجاملات الأيديولوجية أو الخضوع لضغوط بعض الأنظمة الإقليمية.
في هذا السياق، برز بوضوح خيار موسكو حصر المشاركة في المنتدى على الدول الإفريقية المعترف بها داخل منظومة الأمم المتحدة، وهو ما أدى تلقائيًا إلى إقصاء جبهة البوليساريو الانفصالية، الكيان الذي يفتقر لأي صفة قانونية دولية. ولم يكن هذا القرار تقنيًا أو إجرائيًا، بقدر ما كان تعبيرًا صريحًا عن توجه دبلوماسي روسي ثابت، يرفض إدماج الكيانات غير المعترف بها في فضاءات التعاون متعددة الأطراف.
هذا الموقف شكّل صدمة دبلوماسية حقيقية للجزائر، التي دأبت، تحت قيادة نظام تحكمه المؤسسة العسكرية، على توظيف المحافل الإقليمية والدولية للترويج للأطروحة الانفصالية. غير أن ما جرى في القاهرة كشف حدود هذا النفوذ، وأظهر أن منطق الضغط لم يعد كافيًا لفرض حضور جبهة البوليساريو الانفصالية داخل المنتديات الدولية ذات الوزن السياسي.
ويعكس هذا التوجه الروسي إدراكًا متزايدًا لحساسية ملف الصحراء المغربية، واختيارًا واعيًا للتعامل معه وفق منطق الشرعية الدولية، التي لا تعترف إلا بالدول ذات السيادة الكاملة. كما يؤشر على تباعد واضح في الرؤى بين موسكو والجزائر، رغم ما يجمعهما من علاقات تقليدية، خصوصًا في المجال العسكري. فروسيا، التي تبحث عن شراكات مستقرة وفعالة في إفريقيا، باتت أقل استعدادًا لمجاراة حسابات نظام جزائري محكوم بهاجس الصراع الإقليمي وتصفية الحسابات السياسية.
في المقابل، كشفت التحركات الجانبية للمسؤولين الجزائريين على هامش المؤتمر عن ارتباك دبلوماسي واضح، حيث حاولت الجزائر إعادة إدراج ملف الصحراء ضمن نقاشات جانبية تحت عناوين عامة، دون أن تنجح في تغيير مسار المنتدى أو كسر الإطار الذي فرضته موسكو بشراكة مع مصر والاتحاد الإفريقي. وهو ما يؤكد أن خطاب البوليساريو الانفصالية فقد الكثير من قدرته على التأثير داخل القارة الإفريقية نفسها.
كما أن اختيار القاهرة لاحتضان هذا الحدث لم يكن عاملًا محايدًا، بل ساهم في تعزيز مناخ الانضباط الدبلوماسي. فمصر، التي تؤكد باستمرار على احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، رفضت تحويل المؤتمر إلى منصة لخدمة أجندات ضيقة، ما زاد من عزلة الطرح الذي تدافع عنه الجزائر.
ويبرز من خلال هذا التطور أن النظام الجزائري، الذي يقدّم نفسه كفاعل محوري في إفريقيا، وجد نفسه مرة أخرى أمام واقع دبلوماسي مغاير، حيث لم يعد دعم بعض الحلفاء التقليديين مضمونًا، ولا القدرة على فرض جبهة البوليساريو الانفصالية كأمر واقع داخل المنتديات الدولية قائمة كما في السابق.
الأهم في هذا المسار هو ما يعكسه من تحوّل دولي متسارع نحو المقاربات الواقعية في معالجة نزاع الصحراء المغربية، حيث يتزايد الدعم للحلول السياسية المتوافق عليها أمميًا، وفي مقدمتها مبادرة الحكم الذاتي. وهو ما يضع الأطروحة الانفصالية، ومن يقف خلفها، أمام مأزق استراتيجي حقيقي، في عالم بات يقيس الشراكات بميزان الاستقرار والجدوى، لا بالشعارات والاصطفافات الإيديولوجية.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

