«مؤشر أمو تضامن»… نظام مستورد أم اجتهاد محلي؟ حين تُستنسخ النماذج وتضيع المعاناة بين الخوارزميات والإدارات

abdelaaziz63 ساعات agoLast Update :
«مؤشر أمو تضامن»… نظام مستورد أم اجتهاد محلي؟ حين تُستنسخ النماذج وتضيع المعاناة بين الخوارزميات والإدارات

النهار نيوز المغربية:ع الرزاق توجاني 

 

 

 

 

 

أطلقت الحكومة نظام «أمو تضامن» باعتباره ركيزة أساسية ضمن ورش تعميم الحماية الاجتماعية، معتمدة على مؤشر اجتماعي رقمي لتحديد الأسر المستحقة للدعم. غير أن الجدل الذي رافق هذا النظام لم يقتصر على نتائجه فقط، بل امتد ليشمل أصل هذا المؤشر، ومصدر اعتماده، والمنهجية التي بُني عليها.

ووفق ما يتداوله متتبعون للشأن الاجتماعي، فإن المؤشر المعتمد لا يُعد اختراعًا مغربيًا خالصًا، بل هو مستوحى من نماذج دولية تعتمدها مؤسسات مالية وهيئات دولية، تقوم على الاستهداف عبر المعطيات الرقمية والمعايير التقنية بدل المعاينة الاجتماعية المباشرة. هذه النماذج، التي طُبّقت في دول أخرى، تقوم على تجميع بيانات السكن، والممتلكات، والاستهلاك، وربطها بخوارزميات تحدد تلقائيًا من هو “فقير” ومن هو “غير مستحق”.

غير أن الإشكال المطروح هو نقل هذا النموذج كما هو تقريبًا إلى السياق المغربي، دون مراعاة خصوصيات المجتمع، وطبيعة السكن العائلي، والاقتصاد غير المهيكل، والهشاشة المقنّعة التي لا تعكسها الأرقام وحدها. فالمغرب، بخلاف دول أخرى، يعرف تداخلاً معقدًا بين الملكية، والإقامة، والتسجيل الإداري، ما يجعل المؤشر في كثير من الحالات بعيدًا عن الواقع الاجتماعي الحقيقي.

وتُظهر الشكايات المتزايدة أن النظام اللوجستي والمعلوماتي الذي يعتمد عليه المؤشر يعاني من ضعف التحيين والدقة، حيث تُحتسب معطيات قديمة أو غير صحيحة، دون منح المواطن آلية فعالة وسريعة لتصحيحها. والأسوأ أن القرار يكون آليًا، بينما مسطرة الطعن تبقى طويلة، مرهقة، وغير مضمونة النتائج.

وتتعمق المعاناة أكثر حين يدخل المواطن في دوامة التنقل بين الإدارات: من المقدم إلى الشيخ، ومن القائد إلى الباشوية، ثم إلى القسم الاجتماعي بالولاية، في مسار “سير واجي” لا ينتهي، تختلط فيه السلطة التقديرية بتضارب التأويلات، ويضيع فيه الملف بين المكاتب والتوقيعات. هذا المسار الإداري المعقد يحول الحق الاجتماعي إلى معركة يومية، خصوصًا للمرضى وكبار السن والفئات الهشة.

أمام هذه الاختلالات، يطرح سؤال جوهري نفسه: هل كان من الحكمة اعتماد نموذج تقني مستورد دون تكييفه مع الواقع المغربي؟ وهل يمكن لخوارزمية أن تعوض المعرفة الميدانية، والبحث الاجتماعي، والبعد الإنساني في اتخاذ القرار؟

إن نجاح أي نظام للحماية الاجتماعية لا يقاس بمدى تطوره التقني، بل بقدرته على الإنصاف، والمرونة، واحترام كرامة المواطن. أما حين يتحول المؤشر إلى أداة إقصاء، وتتحول الإدارة إلى متاهة، فإن المشروع يفقد روحه، مهما كانت مرجعياته أو مصادر استلهامه.

ويبقى الأمل معقودًا على مراجعة شجاعة لمؤشر أمو تضامن، تعيد الاعتبار للواقع الميداني، وتبسط المساطر، وتضع الإنسان قبل الخوارزمية، حتى لا يتحول ورش اجتماعي وُلد لمحاربة الهشاشة، إلى سبب جديد في تعميقها.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading