في خضمّ التحولات الاجتماعية وتسارع وتيرة الخلافات، لم يعد الاختلاف في الرأي هو الإشكال الحقيقي، بل الطريقة التي يُدار بها هذا الاختلاف. فالخصام والصلح يشكّلان محكًا حقيقيًا للأخلاق، عندهما تتجلّى القيم، ويظهر الفرق جليًا بين الكريم الذي يسمو بأخلاقه، واللئيم الذي تكشفه المواقف.
الخصام… محكّ السلوك الإنساني
الخصومة في ذاتها ليست سلوكًا سلبيًا، إذ إن اختلاف الآراء ظاهرة طبيعية، غير أن أسلوب الخصام هو ما يحدّد قيمة الإنسان.
فالكريم إذا خاصم، التزم حدود الأدب واحترام الكلمة، ولم يجعل من الخلاف وسيلة للإساءة أو التشهير. يخاصم بعقلٍ متزن، ويبحث عن الحقيقة لا عن الغلبة، مدركًا أن الخُلُق الرفيع لا يسقط مع الاختلاف.
وعلى النقيض، يتخذ اللئيم من الخصام فرصة للتجريح وتصفية الحسابات، فينحدر إلى الكذب والطعن، ويستدعي الماضي لتشويه الحاضر، غير عابئٍ بقيم ولا مبادئ، ما دام الانتصار الشكلي هدفه الأول.
الصلح… اختبار النيات
إذا كان الخصام يكشف الأخلاق، فإن الصلح يختبر النيات.
فالكريم حين يصالح، يعفو بصدق، ويغلق صفحات الماضي دون منّة أو تذكير، ويجعل من الصلح نقطة انطلاق جديدة قائمة على الصفاء وحسن الظن.
أما اللئيم، فيتعامل مع الصلح بوصفه إجراءً مؤقتًا تحكمه المصلحة، فيُظهر التسامح ويُخفي الضغينة، ويعود إلى نبش الأخطاء عند أول خلاف، وكأن الصلح لم يكن إلا هدنة قصيرة.
خلاصة القول
إن معيار الأخلاق لا يُقاس بحدة الخلاف ولا بسرعة التصالح، بل بسمو السلوك عند الغضب، وصدق النية عند العفو. فالكريم يسمو بخُلُقه في الخصام، ويزداد رفعة في الصلح، بينما يفضح اللئيم نفسه في الحالتين.
وفي زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى ترسيخ القيم، يبقى الخُلُق الكريم هو الانتصار الحقيقي، وهو الأساس المتين لبناء مجتمع متماسك تسوده الاحترام والمسؤولية.
بقلمي:رجاء التوبي
عاشقة للوطن
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


