الدروش *بين تواضع ولي العهد و تسلط النخب السياسية؟*

abdelaaziz6ساعتين agoLast Update :
الدروش *بين تواضع ولي العهد و تسلط النخب السياسية؟*

في لحظة رمزية كثيفة الدلالات، ظهر ولي العهد الأمير مولاي الحسن في حفل افتتاح كأس إفريقيا المقام بالمغرب، وسط أجواء ماطرة وقاسية، دون مظلة، بابتسامة هادئة وروح مرحة، في مشهد بسيط لكنه عميق المعنى. لم يكن ذلك استعراضاً ولا بروتوكولاً بارداً، بل صورة تلقائية عكست صدق المشاعر، والتواضع، والاقتراب الإنساني من المواطنين. صورة تختصر ما ينتظره المغاربة من المسؤول: الحضور، الاحترام، والقدوة.

في الجهة المقابلة، وعلى النقيض تماماً، ظهرت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهي مؤسسة يُفترض أن تجسد القيم الأخلاقية والإنسانية، محمولة بالمظلة من طرف شخص آخر، منشغلة بالهاتف، في مشهد يعكس انفصالاً صارخاً عن رمزية المسؤولية، وعن معنى “الحقوق” حين تتحول إلى امتيازات شخصية واستعلاء طبقي. هنا لا نتحدث عن تفصيل بروتوكولي، بل عن عقلية كاملة ترى في المنصب وجاهة لا تكليفاً.
ولم يقف الانحدار عند حدود السياسة والمؤسسات، بل امتد إلى المجال الفني والثقافي. فقد ظهر الفنان المعروف بـ“طوطو” في مهرجان موازين، في سلوك متهور ومسيء أمام الآلاف من الشباب، في تحدٍّ سافر للقيم العامة ولصورة الفن كرافعة للوعي لا كأداة للتطبيع مع الانحراف. الفن ليس حرية بلا مسؤولية، والمهرجانات الممولة من المال العام ليست فضاءً لتمرير الرداءة والسلوكيات الخطيرة، خاصة حين يكون الجمهور في غالبيته من الشباب.
أما داخل الأحزاب السياسية، فالصورة أكثر قتامة. نبيل بنعبد الله، الذي يفترض فيه أن يكون رمزاً لنضال ديمقراطي وتاريخ سياسي، يظهر وهو يعطي تعليماته لطرد معارضيه وتعنيفهم داخل المقر المركزي للحزب. سلوك بلطجي لا علاقة له بالسياسة، ولا بالنقاش الديمقراطي، بل يعكس تحوّل بعض الأحزاب إلى إقطاعات شخصية تُدار بالترهيب لا بالإقناع.
وإدريس لشكر، بدوره، يمنع مناضلة من دخول مقر حزبها فقط لأنها تجرأت على الانتقاد. أي ديمقراطية هذه؟ وأي حداثة سياسية تُبنى على الإقصاء وكتم الأصوات؟ ما يقع داخل هذه الأحزاب ليس مجرد خلافات تنظيمية، بل دليل على إفلاس أخلاقي وسياسي عميق، يفسر لماذا فقد المواطن ثقته في العمل الحزبي.
أمام هذا المشهد القاتم، يمكن القول بوضوح: النقطة المضيئة اليوم في المغرب هي المؤسسة الملكية، رغم معارضتنا المشروعة لبعض اختياراتها ومواقفها. فحين تسقط النخب السياسية، وتفشل المؤسسات الوسيطة، ويتحول الفن إلى عبث، تبقى الملكية، في رمزيتها وسلوكها العام، آخر ما يجمع المغاربة حول معنى الدولة.
هذا ليس تزكية مطلقة، ولا صك براءة، بل تشخيص واقعي. المغرب لا يعاني من أزمة شعب، بل من أزمة نخب. نخب سياسية فاشلة، نخب حقوقية متعالية، ونخب فنية مستهترة. وإذا لم يتم تصحيح هذا المسار، فإن الخطر الحقيقي لا يأتي من الاحتجاج أو النقد، بل من هذا الانحدار الصامت الذي ينخر صورة الدولة من الداخل.
لقد آن الأوان لقول الحقيقة كما هي: المغاربة يستحقون مسؤولين يشبهونهم، لا أوصياء يحتقرونهم، ويستحقون فناً يرفع الوعي لا يدمّره، وأحزاباً تمارس الديمقراطية لا تعنّفها. وما لم يحدث ذلك، ستظل المؤسسة الملكية وحدها في الواجهة، تتحمل ما لا تتحمله، في غياب نخب في مستوى الوطن.

*من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى*

عزيز الدروش محلل وفاعل سياسي


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading