كأس إفريقيا بالمغرب: الرهان على الحدث والإنسان معًا

abdelaaziz6ساعتين agoLast Update :
كأس إفريقيا بالمغرب: الرهان على الحدث والإنسان معًا

بين الحماس الذي تخلقه كرة القدم، والأسئلة المشروعة المرتبطة بالتنمية، يسلّط هذا المقال الضوء على تنظيم المغرب لكأس إفريقيا باعتباره فرصة رياضية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية. ومن خلال قراءة هادئة في تجارب دول سبقت إلى استضافة تظاهرات كبرى، يناقش المقال أهمية ربط الحدث الرياضي برؤية تنموية شاملة، تجعل من الاستثمار في الإنسان مكملًا أساسيًا للاستثمار في البنية التحتية والصورة الدولية.

يمثل تنظيم المغرب لكأس إفريقيا لكرة القدم حدثًا رياضيًا بارزًا، يعكس ثقة المؤسسات القارية في قدرة المملكة على إنجاح التظاهرات الكبرى، كما يشكّل مناسبة لتعزيز الحضور السياحي والإشعاع الدولي للبلاد. ولا شك أن مثل هذه المحطات تخلق دينامية اقتصادية وتنظيمية، خاصة في قطاعات السياحة، النقل، والخدمات.
غير أن هذا الحدث، إلى جانب رمزيته الرياضية، يفتح نقاشًا هادئًا ومشروعًا حول كيفية تحويل التظاهرات الكبرى من لحظة احتفال ظرفية إلى رافعة تنموية مستدامة، خاصة في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المغرب، وهي تحديات تشترك فيها دول عديدة سبقت إلى تنظيم بطولات كروية كبرى.
التظاهرات الرياضية: ماذا تقول التجارب الدولية؟
عرفت دول مثل البرازيل، جنوب إفريقيا، الأرجنتين والمكسيك تجارب مختلفة في استضافة تظاهرات كروية كبرى. وقد أظهرت هذه التجارب أن جودة التنظيم والبنية التحتية، رغم أهميتها، لا تكفي وحدها لضمان أثر اقتصادي واجتماعي دائم.
في جنوب إفريقيا، التي استضافت كأس العالم 2010، ساهم الحدث في تحسين صورة البلاد دوليًا وتطوير بعض البنيات التحتية، كما عرف القطاع السياحي انتعاشًا نسبيًا خلال فترة البطولة. غير أن الأثر الاجتماعي والاقتصادي طويل المدى ظل محدودًا، خاصة في ما يتعلق بتقليص الفوارق الاجتماعية وخلق فرص شغل دائمة.
أما البرازيل، خلال كأس العالم 2014، فقد خصصت استثمارات ضخمة للبنية التحتية الرياضية، لكنها واجهت نقاشًا مجتمعيًا واسعًا حول أولويات الإنفاق، إذ لم يكن الأثر الاجتماعي بمستوى التوقعات، وبقيت الاستفادة محصورة في مجالات محددة ولفترة قصيرة.
في المقابل، تُعد تجربة ألمانيا (2006)، وإلى حد ما روسيا (2018)، من التجارب التي نجحت في التحكم في التكاليف، والاستفادة من البنيات التحتية القائمة، وربط الحدث الرياضي برؤية اقتصادية أوسع، خصوصًا في ما يتعلق بتطوير النقل، التكوين، والاقتصاد المحلي للمدن المستضيفة.
الرؤية هي الفارق بين النجاح والإخفاق
تُظهر هذه التجارب أن الفرق الحقيقي لا يكمن في تنظيم البطولة في حد ذاته، بل في الاستراتيجية المصاحبة لها. فحين يُنظر إلى الحدث الرياضي كجزء من مشروع تنموي متكامل، يكون أثره أعمق وأكثر استدامة، بينما تظل نتائجه محدودة عندما يُتعامل معه كغاية مستقلة.
المغرب: السياحة والرأسمال البشري في علاقة تكامل
في السياق المغربي، يُنظر إلى تنظيم كأس إفريقيا كفرصة لتعزيز السياحة والتعريف بمؤهلات البلاد الطبيعية والثقافية، وهو رهان مشروع. غير أن هذا الرهان يكتسب بعده الحقيقي حين يُواكَب باستثمار موازٍ في الرأسمال البشري.
فالارتقاء بجودة التعليم، وتحسين الخدمات الصحية، وخلق فرص شغل تحفظ كرامة الشباب، كلها عناصر أساسية تجعل من أي نمو اقتصادي نموًا عادلًا ومستدامًا، وتُسهم في ترسيخ الوعي المجتمعي وتحسين شروط العيش الكريم.
توسيع دائرة الاستفادة الاقتصادية
من بين النقاط التي تستحق نقاشًا هادئًا، ضرورة الحرص على ألا تظل استفادة تنظيم كأس إفريقيا محصورة في فئة محدودة أو في الشركات الكبرى فقط. فإشراك المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتشجيع المبادرات المحلية، وربط الحدث بالاقتصاد الجهوي، من شأنه أن يخلق أثرًا اقتصاديًا أوسع وأكثر قربًا من المواطن.
مقاربة متوازنة بدل منطق المفاضلة
الرهان اليوم لا يتمثل في المفاضلة بين تنظيم التظاهرات الرياضية أو الاستثمار الاجتماعي، بل في القدرة على الجمع بينهما ضمن مقاربة متوازنة. مقاربة تجعل من الحدث الرياضي فرصة لتطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات، وفي الوقت نفسه دعامة لتعزيز الاستثمار في الإنسان.
خاتمة
في النهاية، يبقى النقاش حول تنظيم كأس إفريقيا وغيره من التظاهرات الكبرى نقاشًا صحيًا يعكس اهتمام المواطن بالشأن العام، وحبه لوطنه، وحرصه على أن يكون كل مجهود مبذول خطوة في اتجاه التنمية الحقيقية. فالإيجابية لا تعني غياب الأسئلة، كما أن النقد البنّاء هو في جوهره تعبير عن الأمل والرغبة في الأفضل.
إن الرهان الحقيقي يظل في قدرتنا على تحويل الفرص إلى مكاسب جماعية، وعلى جعل الرياضة، مثل غيرها من المجالات، وسيلة لخدمة الإنسان وتعزيز كرامته، لا مجرد حدث عابر في الزمن. وبالثقة في إمكانيات المغرب، وفي كفاءة أبنائه، يمكن لهذا الوطن أن ينجح حين يضع الرؤية والإنسان في صلب اختياراته.
بقلمي
رجاء التوبي.
عاشقة للوطن 🇲🇦.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading