متابعة : عزيز الدروش
في مدينة بوزنيقة، التي تحوّلت هذا الأسبوع إلى ما يشبه “مسرحاً سياسياً للعبث المغربي”، انطلقت أشغال ما يسمى بـ المؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع — من داخل الحزب وخارجه — هي أن كل شيء محسوم سلفاً، وأن الزعيم الأبدي المفدى لا ينافسه أحد سوى أشباح الماضي التي صنعها بنفسه.
منذ الساعات الأولى من صباح اليوم، التأم اجتماع اللجنة التحضيرية والمجلس الوطني، لتلميع الصورة وتوزيع الأدوار، تمهيداً لافتتاح المؤتمر زوالاً وسط حشدٍ ضخم: أكثر من 1700 مؤتمر ومؤتمِرة و30 وفداً أجنبياً قدموا ليشهدوا لا عرساً ديمقراطياً، بل جنازة سياسية باذخة لحزبٍ كان يوماً ضمير الأمة.
المشاركة في الفضيحة
المشهد الصادم ليس في حجم الحضور، بل في نوعيته:
كل الأطراف السياسية، من اليمين إلى اليسار، حضرت أو باركت هذه الجريمةالتي تأكد ان المسار السياسي المغربي مجرد ديكورو تضليل و كل من يرفض العملية السياسيةبرمتها فهو على حق .
النقابات حضرت.
المجتمع المدني شارك.
الإعلام الرسمي والخاص غطّى بحماسٍ غريب.
النخبة المثقفة والحقوقيون صافحوا الزعيم بابتسامة رضا.
بل حتى الدولة المغربية، بمؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، تواطأت بالصمت والتصفيق على هذا العبث الغير المسبوق و الذي ربما يعلن عن نهايته .
هكذا يتحوّل المؤتمر الوطني إلى مهرجان للرياء السياسي، تُرفع فيه شعارات الإصلاح والدمقرطة، بينما تُطبخ القرارات في مطابخ مغلقة، وتوزَّع المناصب بالولاء لا بالكفاءة.
نهاية حزب وبداية زمن الرداءة
لقد كان الاتحاد الاشتراكي يوماً مدرسة في الفكر السياسي والنضال الديمقراطي.
لكن ما يجري اليوم في بوزنيقة ليس إلا تتويجاً لمسار طويل من الانحدار، والانتهازية، واغتيال القيم التي أسس عليها رواد الحركة الوطنية حزبهم.
تحوّل الحزب إلى شركة انتخابية، وإلى مزرعة شخصية تُدار بمفاتيح الولاء والطاعة.
ولم تعد اللجنة التحضيرية سوى لجنة تزكية، ولا المؤتمر سوى طقسٍ لتجديد العهد بالزعيم الأبدي و تقديم البيعة الشرعية.
مسؤولية مشتركة
الفضيحة لا يتحملها الاتحاد الاشتراكي وحده، بل كل من شارك أو صمت:
الأحزاب السياسية التي تتغنى بالإصلاح وهي شريكة في الخراب.
النقابات التي تحوّلت إلى أدوات لتثبيت الزبونية.
الإعلام الذي باع صوته مقابل الإشهار أو الامتيازات.
المثقفون والحقوقيون الذين فضلوا الحضور على الموقف.
والدولة التي تبارك كل هذا العبث باسم الاستقرار.
جيل جديد يراقب
لكن ما يغيب عن هؤلاء جميعاً هو أن جيل Z، الجيل الرقمي، الجيل الذي لا يخاف من الحقيقة ولا يقدّس الأسماء، يرى ويسجل.
لن تنطلي عليه الشعارات الجوفاء ولا خطابات الزعيم المنقذ.
جيل جديد بدأ يفضح كل تواطؤ ويكسر جدار الصمت، لأنه يعلم أن هذا النوع من المؤتمرات هو ما أوصل المغرب إلى الحافة: الفقر، التهميش، وانعدام الثقة في السياسة.
خلاصة القول
ما يجري في بوزنيقة ليس مجرد مؤتمر حزبي، بل مرآة لوضعٍ سياسي مأزوم في المغرب كله.
نظام حزبي فقد بوصلته، نخب فقدت شجاعتها، ودولة تُراهن على الاستقرار الصامت بدل الإصلاح الجريء.
> إنها لحظة عار سياسي، تشهد على سقوط منظومةٍ بكاملها.
والتاريخ سيكتب أن بوزنيقة 2025 لم تكن مهرجاناً حزبياً… بل جنازةً للعقل السياسي المغربي.
*من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى*
*عزيز الدروش محلل وفاعل سياسي*
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.