إسقاط الحكومة ليس حلاً… بل هروب جديد من مواجهة الحقيقة.
كواحد من الجيل الذي لم يبع الوهم ولم يركع للصمت…
اقول صراحة
لقد بلغ السيل الزبى الشارع يغلي والاحتجاجات تتوالى من الشمال إلى الجنوب، والمواطن المغربي صار يعيش على حافة الصبر ، لا حديث إلا عن الغلاء، وانهيار الخدمات، وتدهور التعليم والصحة ، غير أن ما يثير الغضب أكثر هو عجز النخب السياسية عن تقديم أي جواب واقعي، وكأنها تعيش في بلد آخر غير هذا المغرب المتعب.
في كل مرة تشتعل فيها شرارة الاحتجاج، يتسابق البعض للمطالبة بإسقاط الحكومة، وكأنها العصا السحرية التي ستحلّ الأزمات المتراكمة ، لكن الحقيقة المرة أن إسقاط الحكومة لن يغيّر شيئاً ما دامت نفس العقليات هي من تتحكم في اللعبة ، لأن الأزمة ليست في الأشخاص ، بل في المنظومة ككل ، في منطق السلطة، في غياب الكفاءة، في تآكل الثقة، وفي تسلل الانتهازية إلى مفاصل الدولة والمجتمع.
لقد تحولت السياسة في المغرب إلى مسرحية متكررة ، أحزاب تتصارع في العلن وتتقاسم المنافع في الخفاء وزراء يتحدثون بلغة الأرقام الباردة بينما الواقع يصرخ بالعجز ، وبرلمان يناقش كل شيء إلا ما يهم الناس حقاً ، فكيف ننتظر التغيير من منظومةٍ فقدت الحس بالمسؤولية؟
ما يحدث اليوم ليس مجرد فشل حكومي، بل إفلاس سياسي شامل ، إفلاس في الفكرة، في الخيال، وفي الجرأة على اتخاذ القرار كل شيء صار مؤجلاً، وكل وعد صار شعاراً للاستهلاك والنتيجة وطن يتراجع وشعب يفقد الثقة في كل شيء
الحقيقة التي يجب أن نعترف بها مهما كانت موجعة هي أن المغرب لن ينهض ما لم نكسر هذا التحالف الصامت بين الفشل والتبرير. المطلوب ليس إسقاط الحكومة بل إسقاط ثقافة التهرب من المسؤولية، وإسقاط منطق “المرحلة الصعبة” الذي صار مبرراً دائماً للعجز
الحل ليس في الشارع فقط ( رغم انه هو المحرك الأساسي )، ولا في البلاغات الحزبية، بل في ثورة داخل المؤسسات ..
ثورة في التعليم حتى نصنع جيلاً حراً يفكر لا يُلقّن
ثورة في العدالة حتى لا يظل المواطن الصغير كبش فداء
ثورة في السياسة حتى لا تبقى حكراً على من وُلدوا في المكاتب لا في الميادين.
وثورة في الوعي لأن الشعب الذي لا يحاسب سيبقى رهينة لمن يُحسن الكلام ويُسيء الفعل
إن الوطن اليوم بحاجة إلى رؤية وطنية جريئة، لا إلى حكومة جديدة بنفس العقليات…
بحاجة إلى رجال دولة لا إلى محترفي تبرير
بحاجة إلى الصدق لا إلى التسويق السياسي
لقد سئمنا الكلام عن الإصلاح وعن “الصبر الجميل”، وعن “الظروف الصعبة” الشعب لا يطلب المستحيل بل فقط أن يُعامل بكرامة وأن يرى أثر الضرائب في خدمته لا في امتيازات غيره.
كواحد ناضل وخرج إلى الشارع لسنين ليقول لا و عاصر مراحل الأمل والانكسار، أقولها بوضوح
لن يُصلح المغرب بتغيير الوجوه بل بتغيير المنطق الذي يحكم العقول.
إسقاط الحكومة ليس الحل… إصلاح العقلية هو البداية…
نريد إحياء الوطن بدل الجلوس و انتظار المعجزات
الوطن لا يموت مادام فيه من يقول الحقيقة …
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.