بقلم: محمد اكن
أنا أمازيغي، أنتمي إلى أرضٍ لم تفرّق يومًا بين الإنسان وأخيه، ولم تبنِ أسوارًا بين القلب والسماء.
قبل أن تصل الديانات السماوية إلى هذه الأرض، كان أجدادي يرفعون أبصارهم نحو الجبال لا طلبًا للأوثان، بل بحثًا عن الله.
لم نكن نعرف اسمه كما عرفته الكتب، لكننا كنا نحسه في النسيم، في المطر، في الصباح الذي يولد من رحم الظلام.
لقد عرف الأمازيغ معنى التوحيد قبل أن يُعرّفوه بالكلمات، لأنهم أدركوا أن الكون لا يُدار إلا بإرادة واحدة، وأن الخير أصل، لا استثناء.
من هذه الفطرة، تولدت روح الأمازيغي: روحٌ تؤمن بالحياة، لا بالموت؛ بالحب، لا بالخوف؛ بالبناء، لا بالدمار.
ولهذا، حين أرى اليوم بعض الذين يتحدثون باسم الله ليزرعوا الكراهية والدم، أشعر أن ما يفعلونه ليس دينًا، بل تشويهًا لما هو أقدس في الإنسان: علاقته بالخالق.
لقد تحوّل الدين عند البعض إلى شعارٍ سياسي، وسلاحٍ للهيمنة، بدل أن يبقى لغةَ رحمةٍ ونجاةٍ من الجهل والظلم.
أما الأمازيغي، فظلّ كما هو عبر القرون: يؤمن أن الله لا يُعبد بالعنف، بل بالعدل، وأن التقوى ليست في المظهر، بل في ما تزرعه من خيرٍ في قلوب الناس.
الأمازيغ شعبٌ متجذر في فطرة الله التي فطر الناس عليها.
لا يحتاجون إلى وسيطٍ بينه وبين السماء، لأنهم يؤمنون أن الطريق إلى الخالق تمر عبر الضمير لا عبر الطائفة.
في ثقافتهم القديمة، لم يكن الكاهن يملك سلطة على الروح، ولم يكن الإيمان تجارةً أو نظامًا اجتماعيًا.
كانت العبادة عندهم خفقة شكرٍ للحياة، لا خوفًا من الجحيم.
ومن هنا، جاء حبهم العميق للطبيعة، لأنهم رأوا فيها وجه الخالق الذي لا يُرسم، ولا يُختزل في صورةٍ أو شعار.
من وجهة نظري كأمازيغي، أرى أن العرب — بكل تاريخهم ومجدهم — جاؤوا بدينٍ سماوي أراد الخير، لكن بعض من حملوه حولوه إلى رايةٍ للسلطة أكثر من كونه نداءً للسلام.
هذا لا يعني أن الأمازيغ ضد الدين، بل إنهم ضد من يجعل من الدين سلاحًا.
ضد من يحول الإيمان إلى جدارٍ يفصل الإنسان عن الإنسان.
أما نحن، فنؤمن أن الله لا يحتاج إلى من يدافع عنه، بل إلى من يطبّق عدله على الأرض.
لقد عاش الأمازيغ آلاف السنين دون أن يُبيدوا شعبًا، أو يفرضوا معتقدًا بالقوة، لأنهم كانوا يفهمون أن التنوّع هو قانون الوجود.
ولهذا، تجدهم أكثر الشعوب ميلًا للتعايش، وأبعدهم عن الغلوّ والتطرف.
في قراهم، يتجاور المسلم واليهودي والمسيحي، دون أن يسأل أحدهم الآخر: من أي دين أنت؟
ففي نظر الأمازيغي، الدين ليس هويةً اجتماعية، بل علاقة شخصية بين الإنسان وربّه، تُقاس بصفاء القلب لا بعدد الركعات.
وحين ننظر اليوم إلى واقعنا العربي الممزق بين المذاهب والفتاوى، ندرك أن ما نحتاجه ليس دينًا جديدًا، بل ضميرًا جديدًا.
ضميرًا يشبه ضمير الأمازيغي الذي يزرع الحب في الأرض لأنه يرى فيه عبادة، ويصون السلام لأنه يرى فيه طريق الجنة.
إننا بحاجة إلى أن نعود إلى الجذور الأولى، إلى لحظة النقاء التي كان فيها الإنسان يعبد الله دون أن يكره أحدًا باسمه.
الأمازيغ لا يحملون أيديولوجيا، بل يحملون فلسفة بسيطة وعميقة في آنٍ واحد:
أن الله لا يُختصر في جماعةٍ ولا في كتاب، بل يُرى في ابتسامة أمّ، وفي قطرة مطر، وفي صدق إنسان.
أن الدين الحق هو أن تعيش بسلام، وتترك غيرك يعيش.
لهذا، فإن الأمازيغي حين يتأمل العالم، لا يرى في اختلاف الناس تهديدًا، بل يرى فيه حكمة الخالق في التنوع.
وحين يتحدث عن العرب، لا يتحدث بلغة العداء، بل بلغة الأسف على من حوّلوا رسالة التوحيد إلى عقائد صراع، وعلى من ظنّوا أن الله يحب من يقتل باسمه أكثر ممن يزرع شجرة.
يا شباب هذا الوطن، تعلموا من أجدادكم الأمازيغ أن الإيمان الحقيقي لا يُقاس بما تحفظه، بل بما تمنحه.
وأن التوحيد ليس شعارًا يُرفع في المساجد، بل فعلًا يُمارَس في الحياة.
لقد خلقنا الله مختلفين لنكمّل بعضنا، لا لنتقاتل، وجعلنا شعوبًا وقبائل لنتعارف، لا لنتكفّن في جدران المذاهب.
فلتكن رسالتنا للعالم من هذه الأرض:
أن الأمازيغي لم يعرف الكراهية، ولم يعبد القوة، بل عبد الواحد الأحد، بالحب، بالعمل، وبالاحترام العميق للحياة.
وأننا جميعًا، عربًا وأمازيغًا، لا نحتاج سوى أن نعود إلى إنسانيتنا الأولى، حيث كان الله يُرى في الخير، لا في الخوف.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

