بقلم عزيز الدروش
يخرج عبد الإله بنكيران، بين الفينة والأخرى، ليملأ الساحة بالصراخ والاتهامات، يسبّ هذا ويقدف ذاك، ويصف رئيس الحكومة ورئيس التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش بـالشفّار وكأنّه ملاك نزل من السماء لا يعرف الفساد ولا المحسوبية!
لكن المغاربة لم يعودوا سذجًا.
لقد عاشوا زمن بنكيران والعثماني، وذاقوا مرارة التراجعات الاجتماعية و الحقوقية و مهد الطريق للوبيات المال لتغول و افتراش الشعب المغربي، وتضاعفت ديون المغرب، وأُبرمت الصفقات المليارية في غياب الشفافية والمحاسبة.
فهل من العدل أن يتّهم من كان في قلب السلطة الآخرين بالفساد؟
ومن الذي كان يوقّع المراسيم، ويعيّن، ويمنح الامتيازات، ويغضّ الطرف عن مافيات الاقتصاد خصوصا لوبي المحروقات بزعامة و زيره في الفلاحةو أشياءأخرى؟
لقد تحوّل حزب العدالة والتنمية من حركة تدّعي الإصلاح إلى شبكة مصالح متشابكة، يتنكر أعضاؤها لبعضهم بمجرد سقوطهم من الكراسي.
انسحاب وزراء الحزب السابقين من تنظيمهم السياسي اليوم ليس مصادفة، بل محاولة للهروب من ربط المسؤولية بالمحاسبة، وللتنصّل من أي تتبّع قضائي محتمل في الملفات التي أشرفوا عليها.
أليس هذا وحده دليل إدانة صامتة؟
المغاربة يتساءلون:
أين ذهبت المليارات التي صرفت في مشاريع لم ترَ النور؟
من استفاد من الصفقات التي أبرمت خلال حكومتي بنكيران والعثماني؟
ولماذا يلوذ هؤلاء بالصمت حين يُسألون عن فساد وزاراتهم ومجالسهم الجماعية؟
اليوم، حراك الريف الذي انطلق بشعار الكرامة والعدالة الاجتماعية، وحراك شباب جيل Z الذي يملأ الشوارع الافتراضية والواقعية، لا يطالب سوى بشيء واحد: المحاسبة ولا شيء غير المحاسبة.
جيل جديد من المغاربة لا يصدق خطابات الدموع والوعظ، ولا يركع لزعماء الأمس الذين باعوا الأوهام.
جيل وُلد بعد شعارات محاربة الفساد والاستبداد، واكتشف أن من رفعها هو أول من تحالف مع الفساد وتواطأ مع الاستبداد.
إن بنكيران ومن معه، بعدما فشلوا في الحكم، يحاولون اليوم العودة إلى المشهد بالصوت العالي والفوضى اللفظية، ظنًّا منهم أن الشعب نسي.
لكن الشعب لم ينسَ.
لم ينسَ من صوّت عليه باسم الدين، ثم خذله باسم التقاعد، ورفع الأسعار، وضرب القدرة الشرائية، وصمت عن الفساد حين كان في موقع المسؤولية.
على النيابة العامة أن تتحرك لا استجابة لبنكيران، بل استجابة للشعب وأن تفتح تحقيقًا شاملًا في كل الصفقات التي مرّت عبر وزراء العدالة والتنمية، في كل قطاع، من التعليم إلى التجهيز، ومن الصحة إلى الطاقة.
آن الأوان لكشف من استفاد، ومن راكم الثروات، ومن تحوّل من داعية إلى مليونير باسم محاربة الفساد.
جيل Z اليوم لا ينتظر دروسًا في الأخلاق، بل ينتظر عدالة حقيقية تُعيد الثقة في الدولة.
وحين يقول هذا الجيل حاسبوا الفاسدين، فهو لا يفرّق بين قديم وجديد، بل يضع الجميع تحت المجهر، بمن فيهم أولئك الذين اختبؤوا وراء الدين والشعارات.
لقد انتهى زمن الخداع.
والمغاربة اليوم يريدون وجوهًا نظيفة لا تتحدث عن الصدق وهي غارقة في الرياء، ولا ترفع شعار الإصلاح وهي غارقة في الفساد.
بنكيران ومن معه انتهت صلاحيتهم السياسية والأخلاقية.
والتاريخ لن يرحم من باع آمال هذا الشعب باسم الله، ونهب مستقبله باسم الإصلاح.
من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى
عزيز الدروش محلل وفاعل سياسي
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.