مراسلة : عزيز اليوبي
تُعد مرزوكة إحدى أبرز الوجهات السياحية بالمغرب والعالم، لما تزخر به من مؤهلات طبيعية وسياحية نادرة، جعلتها قبلة للزوار من مختلف القارات. ورغم هذه المكانة المتميزة، فإن واقعها التنموي ما زال يشهد اختلالات عميقة، حيث تعاني من ضعف في البنيات التحتية وغياب التأهيل الحضري الكافي، مما يحدّ من إمكانياتها ويجعلها تعيش نوعاً من التهميش. وفي هذا السياق، شدّد جلالة الملك محمد السادس في خطاباته الأخيرة على ضرورة تسريع وتيرة التنمية في مثل هذه المناطق ذات القيمة الاقتصادية والسياحية العالية، بما يضمن عدالة مجالية وإنصافاً للساكنة المحلية.
مرزوكة ليست مجرد قرية صحراوية، بل هي أيقونة طبيعية تحتضن كثباناً رملية ذهبية تُعتبر من الأكبر والأجمل في شمال إفريقيا. هذه الرمال لا تجذب فقط عشاق المناظر الخلابة، بل تقدم أيضاً خدمات علاجية من خلال الحمام الرملي المعروف بخصائصه الطبية. كما تتميز المنطقة بأنشطة سياحية متنوعة مثل جولات الجمال، السفاري بالسيارات الرباعية الدفع، والرحلات الاستكشافية، مما جعلها مصدر رزق للعديد من العائلات.
إلى جانب ذلك، يشكل قطاع الفندقة ووكالات الأسفار استثمارات متنامية تساهم في رفع جاذبية المنطقة. غير أن هذه الثروة الطبيعية والاقتصادية لا تنعكس بشكل عادل على حياة السكان الأصليين.
رغم هذه الإمكانيات الهائلة، لا تزال مرزوكة تعاني من مظاهر التهميش. فالطرق غير مؤهلة بالشكل المطلوب، وشبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي تعرف خصاصاً كبيراً. إضافة إلى ذلك، يواجه السكان الأصليون مشاكل مرتبطة بالأراضي والعقار، حيث لم تُسوَّ بعد وضعيات العديد من ذوي الحقوق، مما يحرمهم من الاستفادة المباشرة من المشاريع السياحية.
كما أن بعض الساكنة تشتكي من فرض ضرائب ومساهمات غير قانونية لفائدة الجماعة أو جمعيات معينة، وهو ما يعتبر ظلماً، خاصة وأن المستفيدين الرئيسيين من العائدات السياحية هم أصحاب الفنادق ووكالات الأسفار، وليس الساكنة البسطاء الذين يؤدون دوراً محورياً في الحفاظ على استقرار ونظافة المنطقة.
أكد جلالة الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة على أن التنمية الحقيقية لن تتحقق إلا إذا شملت جميع المناطق، خصوصاً تلك التي تزخر بمؤهلات استثنائية. كما شدّد على ضرورة تسريع التأهيل الحضري وإطلاق مشاريع مهيكلة في المناطق السياحية، حتى تكون في مستوى تطلعات الزوار والسكان على حد سواء. ومن هذا المنطلق، فإن مرزوكة تُعتبر نموذجاً حياً لتطبيق هذه التوجيهات الملكية، لما لها من إمكانيات قادرة على تحويلها إلى قطب سياحي عالمي.
يتميّز سكان مرزوكة بالطيبة وحسن الضيافة، وهم من ذوي الحقوق التاريخيين في الأرض. ومع ذلك، يشعر الكثيرون منهم بالتهميش والإقصاء من الاستفادة الحقيقية من التنمية. إذ أن مطالبهم بسيطة ومشروعة: تسوية أوضاعهم العقارية، إشراكهم في المشاريع الاستثمارية، وتوفير بنية تحتية تليق بالمنطقة. إشراك هؤلاء السكان ليس فقط مطلباً حقوقياً، بل ضرورة لضمان تنمية متوازنة ومستدامة.
إن مستقبل مرزوكة يرتبط بمدى قدرة الدولة والجماعات المحلية على بلورة رؤية تنموية مندمجة تراعي خصوصية المنطقة. هذه الرؤية ينبغي أن تشمل:
تأهيل حضري شامل يحافظ على الطابع البيئي للمنطقة.
تطوير البنيات التحتية الأساسية (مطار، طرق، مستشفى، مدارس).
تشجيع الاستثمارات المسؤولة التي تدمج الساكنة المحلية في العائدات.
إشراك المجتمع المدني والجمعيات المحلية في التخطيط والتنفيذ.
الترويج لمرزوكة كنموذج للسياحة المستدامة بالمغرب
مرزوكة ليست مجرد كثبان رملية ساحرة، بل هي ثروة وطنية تستحق أن تحظى بمكانتها الطبيعية على خريطة التنمية الوطنية. تفعيل الخطابات الملكية في هذه المنطقة لم يعد خياراً، بل ضرورة لتحقيق العدالة المجالية وضمان حياة كريمة للسكان الأصليين الذين ظلوا على مدى عقود أوفياء لأرضهم. إن الاستثمار في مرزوكة هو استثمار في مستقبل السياحة المغربية ككل، وجعلها بوابة حضارية واقتصادية تعكس صورة المغرب المتجدّد.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.