الدروش *يوم النصر الصيني: استعراض قوة… ورسائل استراتيجية مشفّرة إلى واشنطن و حلفائها*

abdelaaziz66 سبتمبر 2025Last Update :
الدروش *يوم النصر الصيني: استعراض قوة… ورسائل استراتيجية مشفّرة إلى واشنطن و حلفائها*

 

بقلم: *عزيز الدروش،*

 

في مشهد مهيب، احتفلت الصين مؤخرًا بـ”يوم النصر”، الذكرى التي تُخلّد انتصارها على اليابان في الحرب العالمية الثانية، لكن هذه السنة كانت مختلفة تمامًا. فقد رافق الحدث استعراض عسكري ضخم، حضرته قيادات من دول حليفة، واجتماعات سياسية أثارت الكثير من الجدل، واحتفاء شعبي وإعلامي مكثف، بعضها على السطح، والكثير منها تحت الطاولة. هذا الحدث لم يكن مجرد تذكير بتاريخ قديم، بل كان رسالة معاصرة، مشفّرة وواضحة، موجهة إلى الغرب، وتحديدًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

 

أولًا: استعراض القوة العسكرية – عضلات التنين تظهر من جديد

 

الاستعراض العسكري لم يكن روتينيًا ولا احتفاليًا بحتًا، بل جاء مدروسًا، دقيقًا، ومدججًا برمزية استراتيجية. من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، إلى الأسلحة الفرط صوتية (Hypersonic)، والطائرات دون طيار بتقنيات الذكاء الاصطناعي – كلها رسائل ضمنية تُفهم بلغة الجيوسياسة.

 

الرسالة الأولى● *نحن جاهزون لأي مواجهة*. في ظل تصاعد التوترات حول تايوان، وبحر الصين الجنوبي، كانت الصين تقول صراحةً إنها لن تتوانى في الدفاع عن *وحدتها الترابية* و*نفوذها الإقليمي*.

 

الرسالة الثانية●● *توازن الرعب تغير*. دخول الصين رسميًا نادي الدول القادرة على إنتاج ونشر أسلحة فرط صوتية يغير قواعد اللعبة العسكرية التي ظلت لعقود تحت الهيمنة الأمريكية.

 

 

ثانيًا: الحلفاء الجدد والقدامى – محور متعدد الأقطاب يتشكل

 

الحضور اللافت لقيادات من روسيا، إيران، كوريا الشمالية، وعدد من الدول الإفريقية والآسيوية، لم يكن صدفة. إنه جزء من استراتيجية صينية واضحة: *كسر أحادية القطبية، وبناء محور جديد، مضاد للغرب.*

 

الصين وروسيا: التحالف بين بكين وموسكو لم يعد تكتيكيًا بل استراتيجيًا – يزداد متانة مع كل عقوبة غربية، وكل أزمة جديدة.

 

التقارب مع إيران: في سياق الصراع في الخليج وملف الطاقة، تعزز بكين علاقاتها مع طهران في رسالة صريحة للغرب: *نملك أوراق اللعبة في مضيق هرمز كما في بحر الصين.*

 

الدول الإفريقية: الحضور الإفريقي يعكس تصاعد النفوذ الصيني في القارة السمراء، ليس فقط اقتصاديًا، بل الآن أيضًا سياسيًا وعسكريًا، *رغم غياب قادة الدول الإفريقية*.

 

 

ثالثًا: ما لم يُعرض… أخطر مما عُرض

 

التقارير المسرّبة والدوائر الدبلوماسية الغربية تحدثت عن اجتماعات مغلقة خلال الاحتفالات ضمّت كبار قادة الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية من الصين وحلفائها، ورُجّح أن تكون قد تناولت:

 

خططًا تنسيقية لرد مشترك على أي عقوبات مستقبلية.

 

مشروع *شبكة مقاومة دولية للعقوبات الغربية*.

 

توسيع التعاون في مجالات الأمن السيبراني، والتقنيات الحساسة.

 

 

هذه الاجتماعات ليست مجرد لقاءات دبلوماسية عابرة، بل مقدمة لمنظومة دولية موازية، تتحدى النظام العالمي الحالي.

 

رابعًا: الصين كـ *قوة حضارية بديلة* – البعد الأيديولوجي

 

يوم النصر هذه السنة لم يكن فقط عسكريًا وسياسيًا، بل أيضًا ثقافيًا. عبر عروض مسرحية، وخطابات رمزية، وتعابير خطابية حول *قيم الحضارة الصينية*، أرادت بكين أن تقدم نفسها كبديل حضاري عن *الهيمنة الغربية” و”نموذج الليبرالية الغربية المتصدع*.

 

تأكيد على مفهوم *التنمية المشتركة* مقابل الاستغلال الاستعماري البشع و تفقير الشعوب.

 

إشادة بالنظام الصيني كنموذج ناجح وفعال مقارنة بـ *الفوضى الديمقراطية الغربية*.

 

 

خامسًا: الرسالة الختامية إلى أمريكا: *نحن هنا… ولن نعود إلى الخلف*

 

إذا كانت أمريكا تحاول احتواء الصين، فإن بكين باتت تقول علنًا: *الاحتواء لم يعد ممكنًا*. لم تعد الصين تلك الدولة الصاعدة التي تتودد للنظام العالمي الليبرالي، بل هي اليوم قوة عظمى تُحدد شروطها، وترسم خطوطها الحمراء.

 

وقد كان العرض العسكري والاحتفال بهذا الحجم، وفي هذا التوقيت الحساس دوليًا، رسالة مركبة:

 

إلى الداخل: توحيد الجبهة الداخلية وتعزيز الشعور القومي في ظل الضغوط الاقتصادية.

 

إلى الحلفاء: التأكيد على التحالفات الجديدة والاستعداد للمواجهة الجماعية.

 

إلى واشنطن: الصين لن ترضى أن تكون رقمًا ثانويًا في معادلة دولية تُدار من البيت الأبيض.

 

 

 

 

و في الاخير: العالم يقترب من نقطة تحول… والصين تُسرّع الإيقاع

 

في ظل هذه الاحتفالات المصحوبة برسائل ناعمة وخشنة، فإن الصين تُعلن الانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم الرمزي – ليس بالمعنى العسكري المباشر، بل في إعادة تشكيل النظام العالمي على طريقتها.

 

الولايات المتحدة، ومعها أوروبا، تجد نفسها الآن أمام تحدٍّ لم يعد بالإمكان تجاهله:

الصين لا تريد أن تكون جزءًا من العالم الذي صاغه الغرب… بل تسعى لخلق عالم جديد، بطراز صيني واضح.

 

*من المستحيل بناء عالم عادل بدول ذات نزعة إستعمارية قديمة ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى للشعوب المسضعفة*

 

*عزيز الدروش محلل وفاعل سياسي*


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading