قبل عامين فقط، كان المكان مظلماً لا يبعث على الطمأنينة، فضاء مهجور في قلب مدينة قلعة مكونة تحوّل ليلاً إلى وكر يؤوي عدداً من المتسكعين وذوي السوابق القضائية. هناك كانوا يجدون ضالتهم في شرب المسكرات وممارسة أشكال الانحراف، بعيداً عن أي رادع أو مراقبة، أما نهاراً فقد كان المشهد لا يقل سوءاً: أكوام من النفايات والروائح الكريهة تزكم الأنوف، وحيوانات ضالة تتجول في المكان، حتى صار محيطه مصدر خوف وقلق للسكان.
الجيران حينها كانوا عاجزين عن التدخل، فالفضاء كان يختزن خطراً مزدوجاً: تهديداً أمنياً من المجرمين، وخطراً بيئياً وصحياً من الأزبال والكلاب الضالة، بدا وكأن هذا المكان حكم عليه بالخراب، دون أمل في أن يبعث من جديد ،لكن شاءت الإرادة أن تنقذه بزوغ فكرة المشروع
السلطات لم تتأخر في دعم الفكرة وتبسيط مساطر الاستثمار، استجابة لنداء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الداعي إلى تشجيع الاستثمار وفتح الباب أمام المبادرات الشبابية.
بفضل مبادرة مجموعة من الشباب المستثمرين، الذين حملوا معهم طموحاً كبيراً ورؤية متجددة، وبتعاون السلطات المحلية وعلى رأسها السيد عامل إقليم تنغير مشكوراً، ومعه السيد الكاتب العام، والسيد باشا المدينة، ورئيس المجلس الجماعي لقلعة مكونة، بدأت ملامح التغيير تظهر.
هؤلاء الشباب لم يأتوا بمشروع تجاري محض، بل بفكرة تحمل في جوهرها بعداً تربوياً وتنموياً، يستهدف فئة غالية: الأطفال والشباب من الهدم إلى البناء
المكان الذي كان وكر فساد صار اليوم مركباً تربوياً ورياضياً، يحتضن أنشطة تعليمية ورياضية وثقافية ،مشروع ضخم بمواصفات حديثة، يضاهي ما يوجد في كبريات المدن. لم يعد الفضاء نقطة سوداء في المدينة، بل صار متنفساً للشباب وفرصة حقيقية لتفجير طاقاتهم ومواهبهم في بيئة آمنة وبنّاءة.
الشباب الذين كانوا بالأمس يعرضون أنفسهم والآخرين للخطر عبر عروض استعراضية بدراجاتهم النارية في الشوارع، وجدوا هنا بديلاً حضارياً: ملاعب وقاعات ومرافق تمكنهم من ممارسة هواياتهم في إطار مؤطر، بعيداً عن العشوائية والانحراف.
التحول لم يكن مجرد تغيير عمراني، بل كان تغييراً مجتمعياً ،الساكنة استبشرت خيراً، لأن المكان الذي كان مصدراً للقلق صار عنواناً للأمل. الأطفال وجدوا بيئة للتعلم والابتكار، والشباب وجدوا فضاءً يطور مهاراتهم ويبني أجسادهم وعقولهم. والأهم أن صورة المدينة نفسها ارتقت، إذ صار المركب واجهة حضارية تُظهر أن قلعة مكونة ليست فقط عاصمة الورد، بل أيضاً مدينة تستثمر في أبنائها ومستقبلها.
هذه التجربة تعكس أن الاستثمار حين يقترن بروح المسؤولية الاجتماعية يمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً بفضل شباب مبادر وسلطات متجاوبة ورؤية ملكية سديدة، تحوّل مكان مظلم إلى صرح تربوي ورياضي يُحسد عليه.
إنها رسالة واضحة: بالإرادة والإيمان بالمستقبل، يمكن أن تتحول بؤر الانحراف إلى مصانع للأمل.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.