تعيش دواوير جماعة سيدي بومهدي التابعة لقيادة بني مسكين الغربية بسطات على وقع معاناة متزايدة جراء الانتشار غير المنضبط لإسطبلات تربية الدواجن، خصوصاً إنتاج الديك الرومي، في قلب المناطق السكنية، وعلى بعد أمتار قليلة من منازل الأهالي.
هذا الواقع الذي تحوّل إلى مصدر قلق بيئي وصحي بات يطرح أكثر من علامة استفهام حول الكيفية التي مُنحت بها التراخيص، وحول مسؤولية السلطات المحلية، وعلى رأسها قائد المنطقة، الذي تتهمه أصوات محلية بالاصطفاف إلى جانب أصحاب الضيعات والسماسرة، في تناقض مع التوجهات المعلنة لعامل الإقليم، عبد المجيد حبوها، المعروف بتشدده في التصدي لمثل هذه الخروقات.
في البداية، رُوّج لهذه المشاريع باعتبارها وحدات لتربية المواشي، غير أن الساكنة فوجئت بتحولها السريع إلى نشاط آخر أكثر خطورة، يتمثل في تربية الدواجن بكميات كبيرة، دون مراعاة أبسط معايير السلامة البيئية.
ومع مرور الوقت، بدأت تظهر آثار هذا التسيّب بشكل ملموس: روائح كريهة خانقة تحاصر البيوت ليل نهار، وتزيد معاناة الأطفال وكبار السن والمرضى، أمراض تنفسية وجلدية غير مسبوقة، كالربو والحساسية والتهابات العيون والجلد، تكاثر الحشرات بشكل لافت، ما ساهم في تفاقم المخاطر الصحية، وسوء تدبير لمخلفات الضيعات التي تُلقى بشكل عشوائي، مهددة البيئة والمياه الجوفية التي تُعد المصدر الرئيسي للشرب والاستعمالات اليومية للسكان.
كل هذه الأضرار جعلت ساكنة الدواوير تدق ناقوس الخطر عبر شكايات متكررة إلى مختلف الجهات، لكن دون تجاوب فعلي يوقف هذا النزيف البيئي والصحي.
وهو ما غذّى الإحساس بوجود تواطؤ أو على الأقل تهاون في فرض القانون واحترام المساطر المعمول بها، خاصة أن بعض الوحدات المرخص لها كوحدة واحدة تحولت بقدرة قادر إلى عدة وحدات نشيطة، دون أن تتحرك السلطات لوقف هذا التوسع غير القانوني.
إن القضية لم تعد مجرد نزاع محلي محدود، بل صارت نموذجاً صارخاً للصراع الدائم بين منطق الربح السريع والسماسرة، ومنطق الحق في بيئة سليمة وحياة صحية كريمة، وهو صراع تُحمل فيه المسؤولية بدرجة أولى للسلطات المحلية التي كان يفترض أن تُشرف على احترام القوانين والتراخيص.
اليوم، يطالب المواطنون بفتح تحقيق جدي وشفاف لتحديد المسؤوليات، والكشف عن ملابسات منح التراخيص وتوسيعها، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى لا يبقى القانون حبراً على ورق. كما يطالبون بتدخل عاجل من عامل الإقليم وباقي السلطات الوصية، لوقف الكارثة قبل أن تتحول إلى أزمة بيئية وصحية يصعب احتواؤها.
في النهاية، تظل معركة ساكنة سيدي بومهدي عنواناً بارزاً لمدى قدرة الدولة على التوفيق بين متطلبات التنمية الاقتصادية وحقوق المواطنين في بيئة سليمة، بعيداً عن منطق “الاستثناءات” الذي يفتح الباب دائماً أمام العبث والفوضى.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.