أكد محمد الصقلي الحسيني، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية على أن الهدف المتوخى من اللجوء إلى القضاء هو تنفيذ أحكامه، بحيث لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له، كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما بالمحكوم لفائدته، مما يؤثر سلبا على مصداقية الأحكام ومعها يفقد المتقاضون الثقة في السلطة القضائية.
وفي سياق متصل، أوضح الحسيني خلال مداخلته في اللقاء الدراسي المنظم نهاية الشهر الجاري من قبل مؤسسة وسيط المملكة حول موضوع مدلول الآثار القانونية في مجال تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام، بأن هذا الموضوع يكتسب راهنية متجددة سيما ما يرتبط باعادة بناء المسار المهني للموظف وادماجه من جديد في أسلاك الإدارة عقب تنفيذ الحكم النهائي القاضي بعزله، كما أن الحكم القاضي بالإلغاء ذي خصوصية لكونه يعتبر حجة حيال الكافة فيما فصل فيه من حقوق، كاستثناء من الأثر النسبي للأحكام القضائية التي لا تلزم سوى طرفيها، مشيرا إلى أن بعض الفقه الفرنسي ذهب إلى خلاف ذلك على غرار الفقيه Jèze الذي شدد على الحجية المطلقة التي يتمتع بها الحكم القضائي، أما الحجية النسبية، يقول الحسيني نقلا عن الفقيه المذكور “تمثل استثناء على الأصل العام، بما يترتب عن ذلك من عدم جواز الطعن من جديد ضد القرار الملغى وذلك لانعدام موضوعه. أو الاعتراض عليه بعدما أصبح عنوانا للحقيقة القانونية ووسيلة لضمان المشروعية وإنما صيرورة كل جهة إدارية ملزمة بتنفيذه، وترتيب آثاره القانونية”.
وفي موضوع ذي علاقة، أوضح المسؤول القضائي بأن تذييل الاحكام القضائية أسست له محكمة النقض بصفتها مرجعا لباقي المحاكم، مفسرا ذلك بفسح هذه المحكمة المجال أمام الإدارة لاتخاذ الاجراءات المتوجبة لإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار الملغى.
وفي مقاربة نوعية، يطالب الحسيني بضرورة التمييز في ترتيب الآثار القانونية الناجمة عن الغاء قرار إداري في مجال الوظيفة العمومية بين الحالة التي يتم فيها الغاء القرار لعيب في الموضوع وبين الحالة التي يتم فيها الغاء القرار لعيب شكلي. مستدلا في هذا الشأن بعدة اجتهادات قضائية مغربية وفرنسية تم الفصل فيها وفق مقاربة تراعي التوازن بين مصالح الموظف المتضرر من القرار وحماية المصلحة العامة والمال العام. حيث اعتبر الحسيني بأن الحالة الأولى التي يتم فيها الغاء القرار لعدم مشروعيته أو للغلو فيه باستعمال السلطة يترتب عنها إعادة إدماج الموظف بأثر رجعي في إطاره الأصلي، تجريدا من الإدارة للآثار الناشئة عن تنفيذ قرارها الملغى لعيب في الموضوع والذي ينزل منزلة القرار المعدوم، كما تكون الإدارة في هذه الحالة ملزمة بإعادة تأسيس المسار المهني للموظف المستفيد من الحكم بإلغاء العقوبة التأديبية وبالتالي إلغاء جميع القرارات الموالية والمتصلة بالقرار الملغى. كما أشار الحسيني إلى أن القضاء الاداري أقر احقية الموظف المتضرر في الاستفادة من تعويض عن الأضرار المادية والمعنوية المترتبة عن العقوبة التأديبية الملغاة مما يبرر في بعض الحالات تمكين الموظف من الامتيازات المالية التي كان يستفيد منها كأجور قبل صدور القرار. وفي هذا السياق فإن الموظف المبعد بطريقة غير مشروعة عن الوظيفة العمومية والمستفيد من حكم بإلغاء العقوبة التأديبية الصادرة في حقه، لايمكنه البتة، في غياب خدمات منجزة أن يستفيد من حساب أجرته النظامية عن المدة التي كان متوقفا فيها عن العمل ولو كرها، لكنه في المقابل، يتابع المسؤول القضائي ذاته “يكون محقا في تعويض لجبر الضرر الذي تعرض له والمترتب عن توقيع العقوبة التأديبية غير المشروعة,وهذا هو التوجه الذي استقر عليه الاجتهاد القضائي الفرنسي منذ سنة 1933”.
أما الحالة الثانية والتي يكون فيها الغاء القرار بسبب عيب في الشكل أو في الاختصاص، فتكون بذلك العقوبة مبررة والخطأ ثابت مما يحيل إلى إمكانية اتخاذ الإدارة لعقوبة تأديبية مماثلة للعقوبة الملغاة، وبالتالي يكون القرار مبررا موضوعا بعد تجاوز الادارة للعيوب الشكلية التي أدت الى إلغائه وبالتالي لا يترتب عن هذا الالغاء أي حقوق لفائدة الموظف، موضحا بأن العمل القضائي الإداري على ??بدأ “كون الإدارة ملزمة بتنفيذ القرار القضائي القاضي بإلغاء قرار العقوبة التأديبية قبل اتخاذ القرار التأديبي الجديد إن كان له محل”.
وفي معرض تعقيبه على بعض المداخلات أكد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الضرر المترتب عن اقتراح حلول من شأنها اطالة النزاع وتعقيده بمساطر جديدة من شأنها التأثير السلبي على المسار المهني للموظف المتضرر من العقوبة الإدارية دون مراعاة القوانين الجاري بها العمل في مجال الوظيفة العمومية. وبعدما جدد الحسيني، تأكيده على أن إجبار القاضي الإدارة على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، امتثالا منها لأحكامه التي هي عنوان الحقيقة القانونية، معلنا رفضه للرأي الذي ينهي مهمة القاضي الإداري عند الإلغاء والذي شبهه بعض الفقهاء بذلك الشخص الذي يجتث الشجرة دون إسقاطها تاركا هذه المهمة لعواصف الشتاء.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.