السيد وزير الداخلية المحترم،
نخاطبكم اليوم لا بصفتكم فقط مسؤولا عن حفظ النظام العام والأمن الداخلي، بل بصفتكم أباً، ومواطنا، ورجلا من رجالات هذا الوطن الذي نؤمن أنه لا يزال قادرا على النهوض من تحت الرماد، إذا ما توافرت الإرادة الصادقة، والتدخل الشجاع، في الوقت المناسب.
وها نحن نرفع إليكم هذه الرسالة المفتوحة، في وقت تشتد فيه حاجتنا إلى صوت العقل وضمير الدولة ،نرفعها باسم مئات الأسر التي تفترش القلق، وتلتحف الخوف، بعد أن تسلل الموت البطيء إلى بيوتها، يحمل في يده ما يشبه الحلوى لكنه في الحقيقة سم قاتل، اسمه المخدرات.
السيد الوزير،
من الصخيرات إلى تامسنا، ومن عين عتيق إلى أطراف الضواحي، باتت المخدرات، بمختلف أشكالها، تتسلل إلى جيوب التلاميذ، وحقائب الطلاب، ونبض الأزقة، دون رادع حقيقي، تروج علانية أحيانا، في وضح النهار، أمام أبواب المدارس، قرب الأسواق، في محطات النقل، وكأنها سلعة مشروعة، بل وكأن هناك من يحرص على ضمان توزيعها بسلاسة وانتظام.
فأي مستقبل يمكن أن نرجوه لجيل مراهق تباع له سموم الهلاك بثمن وجبة سريعة؟
أي أفق يمكن أن نحدثه عن “الدولة الاجتماعية” ونحن نشاهد طفلا في الخامسة عشرة يترنح تحت مفعول أقراص الهلوسة؟
السيد الوزير،
نكتب إليكم لا لنكيل الاتهامات، بل لنقرع جرس الإنذار قبل أن نسمع صرخات لا تطاق، ونشهد مشاهد لا تحتمل.
فلقد رصدنا، في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، تزايدا مخيفا في حالات الإدمان بين صفوف القاصرين، وجرائم بشعة يرتكبها شباب في لحظات غياب تام عن الوعي، كان آخرها حوادث مأساوية اقترف فيها الأبناء فظائع في حق أسرهم، تقشعر لها الأبدان.
وهنا نطرح، وبإلحاح شديد، الأسئلة التالية:
أين هي الاستراتيجية الوطنية لمحاربة المخدرات؟
من يراقب شبكات الترويج في الأحياء الهامشية؟
من يحمي أبناءنا من الانزلاق في مستنقع الضياع؟
ولماذا يبدو الأمر كما لو أن هناك من يستفيد من بقاء الوضع على ما هو عليه؟
السيد الوزير،
نعلم تماما أن المقاربة الأمنية لها دورها، لكن وحدها لا تكفي. نحتاج إلى مقاربة شمولية، متكاملة، إنسانية.
نحتاج إلى أن تتضافر جهود الوزارة مع التربية الوطنية، والثقافة، والشباب، والأسرة، والمجتمع المدني، حتى نستعيد أبناءنا من بين مخالب هذا الوحش الصامت.
فليست القضية مجرد “توقيف مروج”، بل إنقاذ وطن من كارثة قادمة.
وليست المسألة فقط “ضبط كمية من الأقراص”، بل حماية مستقبل أمة.
نقترح، بإلحاح صادق:
حملات توعية واسعة في المدارس والفضاءات الشبابية،
دعم الجمعيات الجادة العاملة في مجال الإدمان والوقاية،
إعادة الاعتبار للمدرسة والأسرة كمحاضن للتربية والقيم،
إطلاق مشاريع مندمجة للشباب في المجالات الرياضية والثقافية،
وإنشاء مراكز للعلاج والإدماج بإشراف طبي ونفسي متخصص.
السيد الوزير،
نكتب إليكم وقد بلغنا حد الخوف الجماعي، لأننا نرى – في الأفق القريب – جيلا منهكا، غارقا في العزلة، غريبا عن نفسه، بلا أمل، بلا وطن.
إنها ليست مبالغة، بل واقع نعيشه يوميا.
ونحن على يقين، أن صوت الضمير الذي نحمله، تجدون له صدى في قلبكم وقراراتكم. فلا تتركوا هذا النداء في رف المراسلات، ولا تضعوه في درج النسيان.
أنقذوا أبناء هذا الوطن قبل أن نفقد الوطن ذاته.
عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.