كوريا الجنوبية والمملكة المغربية : حين يُفرّق المشروع وتوحّد الأزمات

abdelaaziz613 سبتمبر 2025Last Update :
كوريا الجنوبية والمملكة المغربية : حين يُفرّق المشروع وتوحّد الأزمات

*بقلم عزيز الدروش*

 

 

 

في مطلع الستينيات من القرن الماضي، كانت كفة المقارنة تميل لصالح المغرب. دولة فتية، موقع استراتيجي، موارد فلاحية ومعدنية، ورأسمال بشري واعد. في المقابل، كوريا الجنوبية خرجت من حرب مدمرة، بلا موارد تقريبًا، ولا عمق استراتيجي، ولا استقرار سياسي.

 

لكن ما إن دخلت الثمانينات من القرن الماضي، حتى قلبت كوريا المعادلة: قفزت إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى، واستكملت انتقالها الديمقراطي الحقيقي و المعقول، وفرضت نفسها قوة إقليمية وعالمية. أما المغرب، فدخل في نفق طويل من الأزمات الاقتصادية، التراجعات الاجتماعية، والجمود السياسي.

 

والسؤال الجوهري: لماذا؟

الجواب لا يكمن فقط في الاقتصاد، بل في السياسة، أو لنقل، في الاختيارات السلطوية، والانقلابات، والصراعات التي جمدت إمكانيات المغرب، بدل أن تفجرها.

 

 

1 حين تحولت السياسة إلى ساحة صراع لا مشروع وطني

 

بين اليسار و الراحل الحسن الثاني: صراع شرعيات

 

في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، كان المغرب يعيش على وقع صراع شرس بين القصر من جهة، والقوى اليسارية الصاعدة من جهة أخرى على السلطةومن يحكم، وعلى رأسها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم الاتحاد الاشتراكي لاحقًا.

اليسار كان يحمل مشروعًا واضحًا طموحه في الحكم المغلف إصلاح زراعي، تعليم عمومي موحد، اقتصاد وطني منتج، وعدالة اجتماعية.

 

لكن الملك الراحل الحسن الثاني اعتبر هذا المشروع تهديدًا مباشرًا لسلطته المطلقة. وهكذا دخل المغرب في مرحلة تصفية حسابات سياسية، بدل بناء نموذج تنموي.

الاعتقالات، الاختطافات، والإقصاء الممنهج للنخب اليسارية جعلت الدولة تفرّغ الحياة السياسية من كل دينامية حقيقية.

 

عوض أن يتم تحويل المعارضة إلى قوة اقتراح وطنية، تم تحييدها أمنيًا… فتوقف كل نقاش حول النموذج التنموي.

 

 

2 الانقلابات العسكرية وتكريس دولة الخوف

 

في كوريا الجنوبية، كانت هناك أنظمة سلطوية أيضًا، لكن الدولة كانت تبني وتخطط وتنمّي، ولو تحت القمع.

في المغرب، كانت السلطة منشغلة بـ البحث عن البقاء لا البناء، خصوصًا بعد محاولتي انقلاب عسكري فاشلتين 1971 في الصخيرات، و1972 في الطائرة الملكية.

 

هذان الحدثان أدخلا المغرب في مرحلة جديدة من الحذر المرضي.

تم تقوية أجهزة الاستخبارات، عسكرة الدولة من الداخل، وبناء نظام بوليسي يُراقب كل شيء… وكل أحد.

 

حين تكون الدولة مشغولة بالخوف من جيشها، ومن شعبها، ومن معارضيها… فهي لا تبني، بل تتحصن فقط.

 

 

 

هذا ما حصل في المغرب.

أما كوريا، فحتى تحت الحكم العسكري، كانت الدولة تحضّر نفسها للانتقال: تعليم، تصنيع، وتحديث الإدارة.

في المغرب، دخلنا زمن التحكم المطلق، وخسرنا كل زمن الإصلاح الحقيقي.

 

 

3 تجفيف السياسة، وضرب الأحزاب، واحتواء النقاش العمومي

 

كانت صراعات السبعينات فرصة تاريخية لصياغة تعاقد سياسي جديد. لكن المرحوم الحسن الثاني، اختار سياسة الاحتواء والترويض بدل الإصلاح.

 

تم تفريغ الأحزاب من مضمونها.

 

دخل الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة في التسعينات حكومة التناوب لا كممثل لقوة مجتمعية، بل كمجرد أداة انتقال هادئ للعرش.

 

أصبح البرلمان ديكورًا.

 

وتمت صناعة نخب حزبية فاقدة للشرعية.

 

 

بينما كانت كوريا الجنوبية، في نفس المرحلة، تشهد أكبر حراك ديمقراطي قاد إلى تفكيك إرث العسكر، وإعادة بناء المؤسسات على أسس المحاسبة والتمثيل الحقيقي.

 

في المغرب، انتقلنا من صراع شرس إلى توافق فارغ.

 

في كوريا، انتقلوا من القمع إلى التحرير السياسي. وواكبوه بإقلاع اقتصادي.

 

4 المؤسسات المجتمعية في كوريا كانت أدوات ضغط؛ في المغرب أدوات زينة

 

كما أشرنا سابقًا، النقابات، الأحزاب، الإعلام، والمجتمع المدني، كانت أدوات ضغط في كوريا؛ مارست دورها رغم القمع، ولم تتوقف حتى فرضت الإصلاح.

أما في المغرب، فتم تدجين الجميع:

 

النقابات أُلحقت بالأحزاب، والأحزاب أُلحقت بالمخزن.

 

الإعلام الحر تمت محاصرته، وتطورت الرقابة الذاتية أكثر من الرقابة الرسمية.

 

والمجتمع المدني تم توجيهه نحو المشاريع الناعمة، البيئة، النوع، الثقافة.بدل أن يكون قوة سياسية حقيقية.

 

 

خلاصة: حين يُفرّغ الصراع من المضمون، يفشل المشروع

 

الصراع بين الحسن الثاني واليسار لم يكن خطأ في ذاته.

بل الخطأ هو أن الدولة رفضت أن تُحوّل هذا الصراع إلى فرصة لصياغة مشروع وطني.

 

في كوريا، تم تجاوز السلطوية بإشراك القوى المجتمعية في بناء الديمقراطية والتنمية.

في المغرب، تم تجاوز المعارضة بإخضاعها… ففقدت السياسة معناها، وفقد المجتمع حيويته.

 

التقدم لا يتحقق حين تسود السلطة، بل حين تُشرك السلطة غيرها، وتؤسس لتعاقد وطني حقيقي.

وكوريا فعلت ذلك، أما المغرب فاختار الاستقرار على حساب الإصلاح.

 

 

*من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب و نخب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى*

 

 

*عزيز الدروش محلل و فاعل سياسي*


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading