مسرحية “الگرداي” بين فرجة الإدهاش وتربية الذائقة!

abdelaaziz69 سبتمبر 2025Last Update :
مسرحية “الگرداي” بين فرجة الإدهاش وتربية الذائقة!

ب0قلم: ذ. أحمد العهدي

 

توطئة ..

من حسنات دعم وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، سواء في إطار دعم الإنتاج والترويج أو دعم الجولات المسرحية، كونه يعتمد نهج القرب في تقديم فرجة العرض المسرحي لجمهور مناطق نائية، باعتبار برنامجه يتضمن القيام بالجولة المسرحية، و كذا التنشيط الثقافي لفضاء التوطين، وتمكين الشباب من هواة ومحبي المسرح من الاستفادة من ورشات تكوينية تؤطرها مجموعة من الفنانين من ذوي الخبرة في مجال اب الفنون، و بالتالي يعتبر مشروع التوطين المسرحي مشروعا طموحا وهادفا، من شأنه، لا محالة، تعزيز سبل الارتقاء بالمشهد المسرحي ببلادنا.

 

قراءة بانورامية..

قدمت فرقة روافد للمسرح الإحترافي بجهة الداخلة وادي الذهب، ذات التجربة المميزة لأزيد من 10 سنوات في مجال المسرح الحساني، وهي مُشَكَّلة من قيدومي العمل المسرحي بالجهة، كما قدمت الفرقة على امتداد السنوات الماضية العشرات من الأعمال المسرحية التي تتوزع بين المقتبسة عن المسرح العالمي، و عن المسرح الوطني وأخرى تعتمد نقل الحكاية الشعبية الحسانية من الحكي الشفهي إلى الكتابة الركحية، قلت قدمت هذه الفرقة عرضا مسرحيا متكامل الشروط الفرجوية المتشودة بتجربة غير مسبوقة بالأقاليم الجنوبية للمملكة، عكستها مبادرة إشراك فنانين من جهة سوس ماسة لاستثمار تجربتهم في الإخراج المسرحي، و التشخيص، والسينوغرافيا، بهدف التقاسم وتبادل تجارب وممارسات مسرحية مع فنانين من جهة الداخلة وادي الذهب ذوي خبرة في الإبداع المسرحي.

على امتداد ساعة كاملة استمتع المتفرجون ، و هم من ممارسي وعشاق المسرح، ذكورا و إناثا، على اختلاف الأعمار، بالعرض المسرحي الذي قُدم بدار الثقافة الولاء بالداخلة، مساء يوم الاثنين 8 شتنبر 2025، تحت عنوان “الگرداي” ( الحارس).

منذ البداية عم داخل قاعة العرض إنصات هادئ لم يكسر إيقاعه سوى التفاعل التلقائي للجمهور مع مشاهد، وهي كثيرة، تركت في نفس المتلقي وقعا وأثرا فرجويا جماليا لا يقاوم، تخللته تصفيقات إعجاب تلقائية تكاد تكون متتالية.

وكما أكد مخرج هذا العرض المسرحي الأستاذ حسن بديدة أنه “بحكم طبيعة النص المسرحي “الكرداي”، فهو يقدم لنا قصة فنان مسرحي عاش مجده المسرحي في سنوات غابرة، لكن وبحكم عامل الزمن وتوالي الأجيال وجد نفسه مرغما على الاشتغال كحارس ليلي في بناية مسرحية، فرصة زيارة صحفي له جعلته يجدد حلمه في العودة من جديد الى الأضواء ومعانقه الركح من جديد.

إن الحدث الذي تعرضه المسرحية وطبيعة الشخوص تفرز لنا نصا مسرحيا يكاد يكون في جل محطاته نصا مركبا من سلسلة تمفصلات درامية، أحيانا تبدو مترابطة وأحيانا أخرى تبدو عكس ذلك، من خلال الفعل وردة الفعل، ما يستوجب من المخرج قراءة النص من الزاوية السيكولوجية للشخصيات وما تعيشه من تناقضات داخلية وصراعات نفسية معقدة لكي يضبط تحركاتها على الركح ويحدد نمط التشخيص التي تفرضه كل شخصية على حدة: ـ الطيب الممثل والحارس الليلي وعماد الصحفي الشاب الذي لا يعرف من المسرح إلا ما ارتبط بذهنه من صور وتمثلات نمطية سطحية.

من هذا المنطلق سيكون الإرتكاز في تصورنا الإخراجي على الممثل بالدرجة الأولى باعتباره محور الحدث وهذا سيكون قاعدة أساسية في جعل الممثل يلمس عن قرب تلك الشخصية المركبة التي يؤديها ومحاولة إسقاط كل الأحاسيس التي تميز كل شخصية من الناحية السيكولوجية .. إضافة إلى كل ما سبق يبقى الديكور المعتمد والإكسسوارات التي يتم توظيفها والجماليات البصرية من إنارة وتمويج صوتي، كلها تبقى دعامة أساسية في خلق فرجة مسرحية من نوع خاص تلامس في أبعادها كل الشرائح المجتمعية، و إن كان النص يعالج قضية فنية صرفة بالدرجة الاولى حيث يجد المتفرج العادي ضالته من خلال الشخصيات المقدمة وكذا الجمهور النخبوي الذي تخاطب فيه المسرحية ذلك العمق المرتبط بقضايا المسرح عالميا وما يعيشه من تنافس في ظل الوسائط الأخرى بما فيها وسائط الميديا.. إننا بهذا العمل المسرحي “الكرداي” نسعى جاهدين إلى التجديد على مستوى البنية الإخراجية بكل مكوناتها و تقريب المسرح من عموم الجمهور المتعطش إلى الفرجة والترفيه.”

جذير بالذكر أن مسرحية “الگرداي”، التي هي من تأليف علي الداه، عن فكرة “حارس المسرح” لعباس الحايك، و”أغنية البجعة” لأنطوان تشيخوف ، وإخراج حسن بديدة، وتشخيص كل من؛ سيدي أحمد شگاف ومحمد سيموكا أوراغ وابراهيم غليل، سينوغرافيا عبد الواحد امزيلن، و مساعد سينوغرافي تيوب ركاع، وإعداد تلنصوص للحسانية نعيمة ركاع،و في الإضاءة المسرحية ابراهيم غليل، و التأليف الموسيقي لأيوب بوشان، ينبني نصها المسرحي على قصة مؤثرة لفنان مسرحي ذاق مجد الركح في زمن مضى و ولى، و لم يبق في الذاكرة و القلب الا اصداؤه و بعضا من بقايا زمنه الجميل، لكنه وجد نفسه مع مرور السنين وتوالي الأجيال مجبراً على الاشتغال كحارس ليلي لبناية مسرحية. و المفارقة تتنامى وتزداد عمقاً واتساعا حين يزوره صحافي شاب، فتتجدد أحلامه في العودة إلى الأضواء ومعانقة الخشبة من جديد. من هنا يتفجر صراع داخلي ذو طابع سيكولوجي بين الحلم والواقع، بين الالم و الامل، بين المفقود و المنشود، بين وهج الماضي وقسوة الحاضر وانسداد افق المستقبل.

إن المخرج حسن بديدة وفق زاوية نظره يرى أن النص يقدم شخصيات مركبة تتأرجح بين التناقضات الداخلية وردود الأفعال المختلفة، وهو ما استوجب تحليلا دراماتورجيا وقراءة إخراجية دقيقة تعتمد على نهج مقاربة سيكولوجية متعمقة للشخصيات. وحري بالذكر أن الممثل كان محور البناء الإخراجي، حيث تطلب الأمر تجسيداً عميقاً للأحاسيس والصراعات الداخلية لكل شخصية، سواء شخصية الطيب (الممثل الحارس الليلي) أو عماد (الصحفي) الشاب الذي لا يعرف المسرح و تاريخه و رموزه الا بسطحية تثير الإستغراب.

على مستوى التشكيل السينوغرافي، شكل الديكور ، والإكسسوارات، والإنارة، والمؤثرات الصوتية عناصر فاعلة في تكوين وتشكيل صياغة جمالية بصرية وسمعية أضفت على العرض بعداً فنياً متكاملاً. وقد جاءت هذه المكونات لخدمة النص والتمثيل، معا.

ختاما، إن العرض المسرحي “الگرْداي” ليس فقط استعادة لقصة فنان يبحث عن ذاته المفقودة، بل هو أيضاً مرآة تعكس معاناة المسرح نفسه في مواجهة التحولات الاجتماعية والثقافية. وبقدر ما يفتح هذا العرض نوافذ على الذاكرة المسرحية، فإنه يسعى إلى التجديد في البنية الإخراجية والبحث عن لغة بصرية وأدائية قادرة على تقريب المسرح من جمهوره، وتجديد الثقة في قوة الركح كفضاء للمتعة والجمال و الإدهاش والتفكير عبر ثالوث الإبداع والإقناع والإمتاع.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading