مع اقتراب كل دخول مدرسي جديد ، تتجدد معاناة آلاف الأسر المغربية مع التكاليف الباهظة المرتبطة باللوازم الدراسية، مما يسلط الضوء على أزمة بنيوية تتجاوز مجرد الاستعداد السنوي، وتمتد إلى عمق النظام التربوي الوطني ومحدودية العدالة الاجتماعية فيه.
يتسم الدخول المدرسي بكونه مرحلة حساسة ترافقها ضغوطات نفسية ومادية على الآباء، خصوصًا في ظل ارتفاع أثمنة الكتب واللوازم المدرسية، وتزايد الاعتماد على التعليم الخصوصي الذي يفرض أعباء مالية إضافية. هذا الوضع يُثقل كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة، حيث تصبح تربية الأبناء والتعليم مصدر قلق بدل أن يكون مسار ترقٍّ اجتماعي.
من الناحية البيداغوجية، يؤثر هذا الضغط المادي بشكل غير مباشر على جودة التعلمات، إذ يجد التلميذ نفسه في جو من التوتر الأسري، مما ينعكس على تركيزه ومردوديته. كما أن غياب تكافؤ الفرص بين من يتوفر على الأدوات البيداغوجية الضرورية ومن لا يملكها، يعمّق الفوارق التعليمية داخل القسم الواحد، بل وفي المؤسسة نفسها.
ورغم المبادرات الحكومية مثل “مليون محفظة” وبرامج الدعم الاجتماعي (تيسير)، فإن الفجوة بين الخطاب والممارسة تظل قائمة. غالبًا ما تُوزع هذه المساعدات بشكل غير منتظم أو غير كافٍ، ولا تشمل كافة الفئات الهشة. كما أن تغطية البرامج لا تشمل التعليم الخصوصي، رغم لجوء العديد من الأسر المحدودة الدخل إليه بسبب تراجع ثقة البعض في المدرسة العمومية.
إلى جانب الكلفة المالية، يطرح الدخول المدرسي إشكالية مضامين المقررات الدراسية، حيث تُبدّل الكتب المدرسية بشكل متكرر دون تبريرات تربوية واضحة، ما يدفع الأسر إلى اقتناء نسخ جديدة سنويًا، ويحدّ من تداول الكتب المستعملة، التي يمكن أن تخفف من العبء المالي.
كما تعاني المؤسسات التعليمية، خاصة في العالم القروي، من نقص في البنية التحتية والموارد البشرية، مما يجعل الدخول المدرسي هناك أكثر تعقيدًا. ويجد المتعلم نفسه أمام بيئة غير محفزة، وغياب النقل المدرسي، وضعف الدعم النفسي والتربوي.
على المستوى البيداغوجي، هناك ضرورة لمراجعة السياسات التربوية بشكل شامل، بما يضمن تعميم تعليم ذي جودة، ومجاني، ويأخذ بعين الاعتبار السياق الاجتماعي والاقتصادي للأسر. كما يجب التفكير في آليات دعم حقيقية ومستدامة، تُواكب الدخول المدرسي من منظور شمولي، يدمج بين الدعم المادي والدعم النفسي والتربوي.
وفي هذا الإطار، يمكن تطوير شراكات بين الدولة والمجتمع المدني والجماعات المحلية من أجل إحداث صناديق دعم مدرسية محلية، وتنظيم حملات تضامنية لجمع اللوازم، وتشجيع إعادة تدوير الكتب، إلى جانب تثبيت أسعار اللوازم الأساسية، أو إعفائها من الضرائب.
في الختام، يشكّل الدخول المدرسي لحظة مرآوية تعكس واقع المنظومة التعليمية بالمغرب، وتكشف عن الحاجة الملحّة لإصلاحات عميقة توازن بين مقتضيات الجودة والإنصاف، وتراعي القدرة الشرائية للأسر، في أفق بناء مدرسة عمومية دامجة، عادلة، وذات جدوى اجتماعية حقيقية.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

