في زمن يُفترض فيه أن تُكرّس مؤسسات الدولة لحماية القانون والعدالة، تتعالى اليوم أصوات سكان مدينة الداخلة متسائلة: إلى متى سيستمر صمت الدولة أمام تغوّل سيدة أصبحت تُلقّب في المجالس الخاصة والعامة بـ”زعيمة مافيا العقار”؟ وهل آن الأوان لوضع حدّ لهذا النفوذ الذي ينخر هيبة المؤسسات من الداخل؟
إن ما يحدث في الكواليس ليس خيالًا من نسج عقول غاضبة، بل واقع يتداول تفاصيله الموظفون والمواطنون على حد سواء: سيدة تستمد سلطتها من منصب زوجها النافذ، الذي يرأس واحدة من أهم المندوبيات السامية بالمغرب، وتستغل هذا النفوذ لتسطو على العقارات، وتُحكم قبضتها على دواليب الإدارة، بل وتُدير شبكاتها بوقاحة تُثير الغضب وتستفز الكرامة الجماعية.
أراضي الدولة، الأراضي الجماعية، بل حتى أراضي الخواص — لم تسلم من جشع هذه المرأة. كيف؟ عبر شبكة معقدة من المتعاونين داخل إدارات العقار، التعمير، التحفيظ، والرخص. هؤلاء لا يتحركون إلا بإشارتها، لأنهم ببساطة يعرفون أن “الظهر محمي” من فوق. مسؤولون مرتعشون من سطوة الزوج النافذ، يوقعون على قرارات يعلمون مسبقًا أنها تخدم مصالح غير شرعية، مقابل “السكوت مقابل البقاء”.
ولأن شهية النفوذ لا تشبع، لم تكتفِ هذه السيدة بالاستيلاء على العقارات، بل نصّبت نفسها حاكمة في كواليس الإدارة: تَرقي هذا، تُعاقب ذاك، تُبعد من يعارضها، وتُكافئ من يُسهّل مهامها. أما من يُجرؤ على التذكير بأن هذا “ملك محفظ” أو يُطالب بتطبيق القانون، فيُجابَه بجملة واحدة أصبحت مشهورة: “وَقّع ولا عليك، الكل معي، ومن يعارض يُوقَف!”
ألهذه الدرجة أصبح المواطن في الداخلة مغلوبًا على أمره؟ ألهذه الدرجة يتم اختراق أجهزة الدولة وتحويلها إلى أدوات في يد امرأة ترى نفسها فوق القانون؟! هل وصلنا إلى زمن تتحكم فيه “زوجة المسؤول” أكثر من مؤسسات الدولة نفسها؟!
المطلوب اليوم ليس كتابة تقارير أو ترديد الشعارات، بل تحرّك فعلي من الجهات المختصة. فالساكت عن الحق شيطان أخرس، والسكوت عن هذه الفوضى هو تواطؤ بصيغة أخرى.
إنقاذ ما تبقى من كرامة الدولة وهيبتها يبدأ من هنا، من الداخلة، من هذا الملف الخطير، من مساءلة ومحاكمة كل من يثبت تورطه، مهما علا منصبه أو زاد نفوذه. فهل ستتحرك الجهات المعنية؟ أم أن الزمن لا زال زمن “النفوذ يحكم والقانون يتفرج”؟
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.