بقلم: محمد أكن
في خضم الفوضى التي تعصف بالعالم، تتكاثر الكيانات التي تتغذى على الأزمات وتبني أمجادها على رماد المجتمعات. تنطلق هذه التنظيمات من خطاب ديني أو أيديولوجي مشحون، تُلبسه عباءة “التحرير” و”العدالة” و”الهوية”، بينما في جوهره ليس سوى مشروع ممنهج لتدمير المجتمعات من الداخل.
من الشرق الأوسط إلى غرب إفريقيا، من جبال أفغانستان إلى أزقة غزة، يطلّ علينا نفس النموذج بأسماء متعددة: حماس، حزب الله، داعش، القاعدة، طالبان، بوكو حرام، الحوثيون، الجهاد الإسلامي، وغيرها من الأذرع العسكرية أو الفكرية التي تُصنّع داخل محور الشر الجديد، بقيادة إيران وبدعم مباشر أو غير مباشر من دول مثل الجزائر، تركيا، وقطر.
ورغم اختلاف الرايات واللغات والشعارات، إلا أن الهدف مشترك: الاستحواذ على السلطة بأي ثمن، وتحويل الدين أو القومية إلى أداة قمع لا إلى منظومة تحرير.
هؤلاء لا يقاومون الاستعمار، بل يُعيدون إنتاجه بأبشع صوره.
لا يحررون الإنسان، بل يُخضعونه باسم “الولاء”.
لا يزرعون الكرامة، بل يحصدون بها الرؤوس.
وما إن يرتفع صوت ناقد أو معارض حتى يُرمى بتهم جاهزة: “خائن”، “صهيوني”، “عميل”، “ناطق باسم الغرب”، في محاولة لتكميم الأفواه وتقديس العنف تحت شعار “المقاومة” أو “الدين”.
بل الأخطر من ذلك، أن هذه الحركات لم تكتفِ بالسلاح، بل دخلت إلى الشارع عبر المظاهرات الموجَّهة، وركبت على قضايا عادلة لتحوّلها إلى أدوات ابتزاز سياسي وفوضى محسوبة.
وفي المغرب، كما في غيره، رأينا كيف تُستثمر الاحتجاجات “الانتقائية” لتأليب الشارع وتوريط الوطن في صراعات خارجية، بأجندات لا تخدم إلا الأطراف التي تتغذى على الفوضى: لا دعماً لفلسطين، ولا حبًا في الشعب، بل نكايةً في مؤسسات الدولة.
إن حرية التعبير حق مقدس، لكن حين تتحوّل إلى غطاء لأجندات مشبوهة، تصبح أداة اختراق لا أداة تغيير.
ويتحول الشارع من فضاء للمطالبة، إلى منصة للتجييش، والتأزيم، وفتح ثغرات في جدار السيادة الوطنية.
لقد تحوّل الإرهاب من مجرد فعل تخريبي إلى مشروع دولة بديل، يسيطر على السلاح، والمعابر، والمناهج، وحتى على الدعاء في المساجد.
وباتت بعض العواصم مجرد رهينة بيد ميليشيات مدعومة خارجيًا، ترفع رايات الوعد الزائف، بينما تُغرق شعوبها في الفقر، والتشريد، والانقسام.
الحقيقة الواضحة والبسيطة هي التالية:
لا يمكن الحديث عن السلام دون اجتثاث هذه الحركات.
لا أمل في الاستقرار دون إسقاط خطاب الكراهية والتجييش الطائفي.
ولا عدالة ممكنة بوجود شبكات إرهاب عابرة للحدود، تسلّحت بالأيديولوجيا وزرعت الدمار في كل رقعة مرّت منها.
لقد آن أوان قول الحقيقة كما هي، وبلا مواربة:
العدو الأكبر لاستقرار أوطاننا ليس فقط من يأتي من الخارج، بل من نما في الداخل، وتحوّل إلى عصابة تتغذى على الدين، وتُتاجر بالقضية، وتخترق الشارع تحت ستار “التضامن” و”الاحتجاج”.
آن أوان الثورة الحقيقية:
ثورة على “المقاومة” الزائفة التي تحرق الأوطان من أجل راية.
ثورة على “الطاعة” التي تُستعمل لتكريس الاستبداد باسم الله.
وثورة على التحالفات المشبوهة التي تحرّك خيوط الفوضى لخدمة أجندات قوى كبرى لا ترى في منطقتنا سوى ساحة نفوذ.
إن تفكيك هذا الوهم هو الخطوة الأولى نحو أي مستقبل يستحق أن يُبنى.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


