بقلم الاستاذ الداود أبا دكتور باحث في القانون الدولي و العلاقات الدولية جامعة محمد الخامس الرباط
على مر التاريخ، كان للنخب المثقفة تأثير جوهري في توجيه مسارات التطور الحضاري والفكري للمجتمعات. أسهمت هذه النخب في تشكيل الرؤى السياسية والاجتماعية، وتقديم الحلول لمختلف القضايا التي تهم المجتمعات، واليوم تظهر أهمية هذا الدور بشكل كبير في نزاع الصحراء. يُعد هذا النزاع واحدًا من أبرز التحديات السياسية في المنطقة المغاربية، وتتزايد الحاجة إلى النخب المثقفة للمساهمة في الوصول إلى حل سياسي دائم يضمن حقوق الأطراف كافة.
دور المثقفين في تسوية النزاع
تلعب النخب المثقفة، من الصحراويين أنفسهم، دوراً محورياً في تقديم الحلول وتوجيه النقاشات حول هذا النزاع. لا يقتصر دورهم على تقديم المعرفة أو التحليل، بل يمتد إلى توجيه المجتمع والسياسيين نحو خيارات أكثر توازنًا. إن تبني مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يمثل إحدى الحلول الأكثر قبولًا على المستوى الدولي، حيث يضمن حقوق الصحراويين التاريخية وفي الوقت نفسه يحترم سيادة المغرب.
عبر تفعيل الحوار المستند إلى مبادئ الحكم الذاتي، يمكن تحقيق مقاربة تضمن حقوق الصحراويين في إدارة شؤونهم الداخلية، بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى حل سياسي متفاوض عليه ومستدام. وهنا تظهر أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه النخب المثقفة في تسهيل هذا التفاهم والتقارب بين الأطراف المتنازعة.
النخب المثقفة: مزيج من المعرفة والمسؤولية
لا يرتبط المثقف فقط بمؤهلاته العلمية، بل بمدى قدرته على التأثير الفكري والمساهمة الفعالة في النقاشات المجتمعية. وفي نزاع الصحراء، يحتاج المثقفون إلى الاضطلاع بدور نشط في نقد وتحليل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واقتراح حلول تتماشى مع تطلعات الشعوب. كذلك، يتطلب الأمر مشاركة النخب المثقفة الصحراوية، وخاصة الباحثين والمفكرين الذين لهم إسهامات فكرية جادة في هذا المجال. هؤلاء يمكنهم أن يقدموا رؤى واقعية تدفع عجلة الحوار وتسهم في إيجاد حل سياسي يضمن حقوق الصحراويين وفي نفس الوقت يحترم سيادة المغرب.
من الضروري أيضًا أن يُعتمد على المثقفين الحقيقيين الذين يمتلكون الإنتاج الفكري والمعرفي وليس من يدّعي المعرفة. فالنخب المثقفة الصحراوية المؤهلة تمتلك القدرة على اقتراح حلول مبتكرة وفعالة تمزج بين الحكم الذاتي وسيادة المغرب، بما يضمن توافق الأطراف المتنازعة ويحقق استقراراً دائمًا في المنطقة.
أهمية التنمية في دعم الحلول
إلى جانب الحلول السياسية، يجب على النخب المثقفة أن تسلط الضوء على أهمية التنمية في الأقاليم الصحراوية. التنمية الاجتماعية والاقتصادية جزء لا يتجزأ من أي حل دائم، حيث يمكنها أن تسهم في تحسين حياة السكان المحليين وتوفير الفرص الاقتصادية، مما يدعم الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة.
من خلال تبني رؤية شاملة تركز على تعزيز البنية التحتية وإشراك الصحراويين في إدارة مواردهم وشؤونهم اليومية، يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية والازدهار، مما يعزز القبول العام للحل السياسي ويخفف من حدة النزاع.
ختاما تلعب النخب المثقفة دورًا رئيسيًا في الدفع نحو حل سياسي شامل لنزاع الصحراء، من خلال توجيه النقاشات نحو تبني مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الذي يحقق توازنًا بين حقوق الصحراويين وسيادة المغرب. وبالإضافة إلى ذلك، تساهم النخب في طرح رؤى تعزز التنمية الشاملة والاستقرار في المنطقة. إن إشراك النخب المثقفة الصحراوية المؤهلة، والاعتماد على مفكرين يمتلكون إسهامات فكرية حقيقية، أمر ضروري لدفع عملية السلام والاستقرار وضمان مستقبل مزدهر لأقاليم الصحراء المغربية.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.