بقلم : أمين شطيبة
تعيش المملكة المغربية اليوم على وقع ترقب يحبس الأنفاس، حيث تخفق الأعلام الإفريقية في كل زاوية من أرض اللقاء، وتصدح الميادين بهتافات الشعوب القادمة من شتى أنحاء القارة السمراء، هي لحظات تاريخية تفصلنا عن انطلاق المحفل القاري ، فنحن الآن على بعد 24 ساعة فقط من انطلاق النسخة الخامسة والثلاثين من نهائيات كأس الأمم الأفريقية “المغرب 2025″، والتي ستفتتح بصفة رسمية غدا الأحد 21 ديسمبر، لتعلن عن عرس كروي قاري استثنائي فوق أرض المغرب.
استنفار تنظيمي وتجهيزات عالمية
أنهت اللجنة المنظمة كافة الترتيبات في الملاعب الستة المضيفة، حيث بات “مركب مولاي عبد الله الرياضي” بالرباط جاهزاً لاحتضان حفل الافتتاح الضخم والمباراة الأولى، كما تشير المعطيات الأولية أن النسخة الحالية تشهد قفزة نوعية في البنية التحتية واللوجستيات، حيث شملت التجهيزات استخدام تقنيات متطورة في البث، وإعداد مناطق مشجعين “Fan Zones” تفاعلية ومجهزة بالكامل لتوفير تجربة متكاملة للجماهير، بالإضافة إلى تجهيز مراكز إعلام وصحافة حديثة تلبي أعلى المعايير الدولية لتسهيل عمل الوفود الإعلامية، كما تم توفير تسهيلات غير مسبوقة لخدمات النقل عبر شبكة “البراق” القطار فائق السرعة التي تربط بكفاءة بين المدن المستضيفة الرئيسية مثل طنجة، الدار البيضاء، ومراكش، مما يضمن سلاسة تنقل الجماهير والوفود بين مختلف الملاعب.
نفحات الماضي الجميل.. “الكان” وذكريات الأسود
لا يمكن الحديث عن الحاضر دون استحضار النوستالجيا التي تكتنزها قلوب المغاربة وتاريخهم العريق مع كأس الأمم الأفريقية. تعود بنا الذاكرة إلى عام 1976، عندما رفع جيل اللاعبين العظيم (أمثال أحمد فرس وبودربالة) الكأس الأفريقية الوحيدة في تاريخ البلاد. تلك البطولة التي أقيمت في إثيوبيا لا تزال حية في الأذهان، كرمز للعزيمة الكروية المغربية.
كما يتذكر الجيل الماضي إنجازات 1986 و1988، حينما وصل “الأسود” إلى المربع الذهبي، وتأتي في الذاكرة أيضاً المشاركة البارزة لـ عام 2004 في تونس، عندما قدم المنتخب المغربي أداءً مشرفاً ووصل إلى المباراة النهائية بقيادة جيل ذهبي ضم أسماء لامعة كـ يوسف حجي ويوسف السفري، قبل أن يخسر بصعوبة أمام البلد المضيف.
وعلى مر التاريخ، برز هدافون صنعوا مجد “الأسود” في “الكان”، وعلى رأسهم الأسطورة أحمد فرس كأبرز هداف للأسود في تاريخ المسابقة، بالإضافة إلى أسماء أخرى بصمت على مسار المنتخب تهديفياً في مختلف النسخ. اليوم، وفي أرض الوطن، تحضر كل هذه الذكريات لتكون مصدر إلهام لجيل 2025، المطالب بكتابة تاريخ جديد يعانق أمجاد الماضي.
النجوم على خط الانطلاق: حفاوة مغربية وأجواء ايجابية للوفود
اكتمل وصول كافة المنتخبات الـ24 المشاركة إلى مقرات إقامتها، حيث حظيت الوفود الأفريقية باستقبال حافل على الطريقة المغربية الأصيلة، عكس كرم الضيافة المتجذر في الثقافة المغربية من خلال “الدقّة المراكشية” للترحيب وتقديم الشاي والحلويات التقليدية، مما أشاع أجواء مريحة وإيجابية لدى اللاعبين والأطقم الفنية منذ اللحظات الأولى لوصولهم.
وفي تصريحات للناخب الوطني وليد الركراكي، أكد، أن “الأسود” في أتم الجاهزية لتحقيق حلم الجماهير فوق أرضهم، مشدداً على أن الضغط الجماهيري هو وقود للفريق وليس عبئاً عليه، ومن جهة أخرى، تشهد معسكرات كبار القارة مثل السنغال، مصر، وكوت ديفوار تركيزاً عالياً وسط ظروف إقامة مثالية وفرتها اللجنة المنظمة لضمان أعلى مستويات الراحة والتركيز، مما يعزز الترشيحات القوية التي تجعل من نسخة 2025 واحدة من أصعب البطولات توقعاً وأكثرها إثارة في تاريخ القارة السمراء.
الرباط.. قلب القارة النابض وعاصمة الاحتفال
منذ الساعات الأولى لصباح اليوم السبت 20 ديسمبر 2025، تدفقت الآلاف من الجماهير الأفريقية على العاصمة الرباط، لتتحول الشوارع إلى مسرح كبير للاحتفاء بالتنوع الثقافي القاري، فقد شهدت “ساحة بريد المغرب” بالرباط و”أحياء الدار البيضاء العريقة كدرب السلطان” تحولاً لافتاً إلى كرنفالات مفتوحة، حيث انخرطت جماهير الوفود المشاركة في صلب الحياة اليومية المغربية، مستمتعين بالأجواء الدافئة في المقاهي والساحات، ومستكشفين عبق المدن القديمة،
وفي مشهد إنساني بديع، يمتزج القفطان المغربي بالأزياء التقليدية النيجيرية والسنغالية الزاهية، في لوحة فنية تعكس بعمق شعار البطولة: “إفريقيا تجتمع في أرض اللقاء”، وتؤكد المشاهد القادمة من مختلف المدن أن المشجعين لم يكتفوا بالترقب الكروي، بل اندمجوا في احتفالية شعبية كبرى، متذوقين كرم الضيافة في الأحياء المغربية الأصيلة، مما جعل من نسخة المغرب 2025 جسراً حقيقياً للتواصل الإنساني بين شعوب القارة السمراء.
صافرة البداية: عرس كروي بلمسة عالمية
من المقرر أن ينطلق حفل افتتاح تاريخي يوم غدٍ الأحد 21 ديسمبر 2025، في تمام الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي؛ حيث أعدت اللجنة المنظمة عرضاً مبهراً يمزج بين أصالة التراث المغربي وحداثة التقنيات العالمية، ليعكس وجه المغرب المتطور وقيم الانفتاح الأفريقي، وسيشهد الحفل حضوراً جماهيرياً غفيراً من المتوقع أن يملأ جنبات “مركب مولاي عبد الله” عن آخره، لتصدح الحناجر بالنشيد الوطني في لحظة اعتزاز كبرى.
وعقب العرض الافتتاحي مباشرة، ستُعطى إشارة الانطلاق لمباراة الافتتاح التي ستجمع المنتخب الوطني
بخصمه جزر القمر، وسط مؤازرة شعبية منقطعة النظير لـ “أسود الأطلس”.
غداً، تتجه أنظار المليارات حول العالم نحو المملكة، لتبدأ رحلة البحث عن “عرش القارة” في بطولة استثنائية لا تؤمن إلا بالعرق والجهد فوق المستطيل الأخضر.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.



