40 /عاماً لن ننساكِ ياصبرا وشتيلا من يحاسب إسرائيل ؟
بقلم ؛-محمد سعد عبد اللطيف ؛- مصر؛
المكان والزمان وذاكرة التاريخ لاتنسي مع كل ذكري منذ تاريخ إصدار وعد بلفور ومجازر دير ياسين وكفر قاسم وغيرها من جرائم حتي اليوم . وكأن القدر مع شهر سبتمبر (أيلول الأسود ) والمذابح والمجازر التي وقعت في هذا الشهر عام 1970في عمان بين الفصائل الفلسطينية والجيش الملكي الاردني في شوارع عمان لتصبح نقطة سوداء في التاريخ العربي ،
ان الحديث اليوم عن مجزرة صبرا وشاتيلا له مدلول على الصعيد السياسي والعسكري وما يجري الأن علي ارض الواقع في لبنان..
ان ما جرى لم يكن وليد الصدفة ولا مجرد ردة فعل طارئة نتيجة استفزاز سياسي او عسكري جماعي او فردي او فراغ امني او ذريعة اغتيال الرئيس بشير الجميل بل كانت جريمة مدبرة بقرار سياسي سابق للقرار الدموي البربري . لتصفية القضية الفلسطينية ارضاً
وثورة وشعباً
وخروج المقاومة من لبنان؛
الفرص التي استغلتها اسرائيل ؟ في أوائل شهر سبتمبر عام 1982م والذي تم فيه ” الخيانة من الجميع” التأمر وتصفية المقاومة و خروج ياسر عرفات ومع آخر مقاتل فلسطيني ، مع رحلة شتات أخري أخذت اسرائيل تخطط بالتعاون مع القوات اللبنانية لدخول بيروت تحت شعار تطهيرها من الإرهابيين وممن تبقى من المقاتلين الفلسطينيين حيث اخذت تدعي ان حوالي 2500 مقاتل فلسطيني ما زالوا في بيروت.
كما ان القوات المتعددة الجنسيات الأميركية والفرنسية والإيطالية اعتبرت ان مهمتها انتهت وغادرت بيروت في /11من سبتمبر .
بدأت الاستعدادات للدخول الى بيروت حيث اصبح الجو ملائما
عربياً ودولياً .كانت الحرب الدائرة بين العراق وإيران .وسوريا خرجت بقواتها من بيروت .ومصر خرجت من الصراع العربي الإسرائيلي وتعاني من العزلة العربية بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد ؛والمسلحيين من الفصائل خرجوا والفراغ الأمني للمخيمات الفلسطينية حيث ا عتبرت الولايات المتحدة الأميركية هي الضامنة لذلك بناء على الاتفاقية التي عقدت مع المبعوث الأميركي فيليب حبيب كانت إسرائيل على معرفة تامة بعدد القوات التي خرجت لأنها كانت تراقب الموقف عن كثب، وعندما تأكدت من خروج معظم المقاتلين الفلسطينيين ولم يبق الا اعداد قليلة غير مسلحة بأسلحة كافية لمقاومتها، فأخذت تستعد لدخول بيروت.
بدأت تحشد القوات اللآزمة للحصار وبدأت القوات اللبنانية تجمع عناصرها والتي تم تكليفها بها للدخول الى بيروت ومخيماتها، وكان أحد اهدافها تدمير وازالة المخيمات الفلسطينية ؛
عوامل ساعدت إسرائيل علي إجتياح بيروت ؟
اولا ؛- ذريعة وجود 2500 /مقاتل في بيروت لم يغادروا مع اتفاقية المندوب الامريكي فيليب حبيب
اخذت اسرائيل تزعم ان هناك 2500/من المقاتلين الفلسطينيين في بيروت واتخذت من ذلك ذريعة لإحتلال بيروت.
ثانيا ؛- اغتيال بشير الجميل كانت الذريعة الآخري لدخول بيروت !
بعد بنجاح “بشير الجميل” في انتخابات الرئاسة والذي اخذ يعلن انه ليس رئيسا لحزب او طائفة وانه ليس زعيما لميليشيا وانما رئيس لكل لبنان بكافة طوائفه ورفض الدعوة التي وجهت اليه لزيارة اسرائيل وقال: بصفتي رئيسا للبنان لا استطيع قبول هذه الدعوة.
في /14 من سيبتمر بعد ظهر ذلك اليوم دوى انفجار كبير في مقر القوات اللبنانية في بيروت الشرقية ادى الى مقتل الرئيس المنتخب بشير الجميل ؛
وهنا استغلت اسرائيل هذا الحدث واتخذته ذريعة ثانية للدخول الى بيروت ومخيماتها تحت شعار منع حمام الدم بين انصار الرئيس المنتخب وعناصر الحركة الوطنية اللبنانية كما حدث في السبعينيات بين المسيحيين والمسلمين.
وهكذا زحف الجيش الإسرائيلي الى بيروت وقام باحتلالها ومحاصرة مخيم “صبرا وشاتيلا” ، ولم يجد الجيش الإسرائيلي في صبرا وشاتيلا ولا في بيروت الغربية العدد الذي ادعته إسرائيل من المقاتلين الفلسطينيين ولم تحدث اشتباكات ومجزرة بين المسلمين والمسيحيين اللبنانيين وانما اعد لمجزرة في منطقة صبرا وشاتيلا خطط لها وزير الدفاع الاسرائيلي “ارئيل شارون” ورئيس هيئة اركانه الجنرال “رفائيل ايتان” ، وقامت بتنفيذها ميليشيا القوات اللبنانية والعناصر المؤازرة لها.
في صباح اليوم التالي لاغتيال بشير الجميل وفي الساعة الثالثة صباحا وقبل الهجوم الإسرائيلي على بيروت الغربية واجتياحها حدث اجتماع في المقر العام للقوات اللبنانية حضره عن الجانب الإسرائيلي الجنرالين ايتان ودروري وعن الميليشيات الكتائبية( فادي افرام ) القائد العام للقوات وايلي حبيقة مسؤول المخابرات في القوات ووضعوا تفاصيل مشاركة الميليشيات في عملية السيطرة على بيروت الغربية ومخيماتها.
كما ناقش الكنيست الإسرائيلي مبدأ دخول الكتائبيين الى مخيمات الفلسطينيين. وقد اعلن مسؤول كتائبي بانهم منذ سنوات ينتظرون هذه اللحظة.
وقد اصدر شارون تعليماته الى قائد الجبهة الشمالية بأن عملية تمشيط المخيمات وتطهيرها سيتولاها الكتائبيون وان على الجنرالين ايتان وامير دروري ان يظلا على اتصال دائم بالكتائب من اجل الإشراف على دخولهم الى المخيمات الفلسطينية، كما ان الإسرائيليين قاموا بطلاء دهان على جدران المباني ووضع اشارات استكشاف وأسهم تشير الى محور الإنطلاق من الشويفات في جنوب شرق بيروت وحتى السفارة الكويتية وباتجاه مخيم صبرا وشاتيلا. وقد وثقت شبكة فلسطين الأحداث بالدقة علي صفحتها بشبكة الانترنت .بالوقت والدقيقة الأحداث التالية ؛- نظمت القوات اللبنانية هذه العملية بالتعاون مع القيادة الإسرائيلية وحددت المسار بدقة للذين لا يعرفون المدينة من هذه القوات.
في الساعة الخامسة صباحاً تقدم الإسرائيليون على طول الطريق الساحلي من الاوزاعي باتجاه الشمال حتى كورنيش المزرعة وتواجدوا على الطريق التي تمر غرب مخيمي صبرا وشاتيلا باتجاه المدينة الرياضية، كما تقدمت شرق المخيمات باتجاه ميدان سباق الخيل، كما تقدمت القوات التي أنزلت في مرفأ بيروت الى قلب حي الفنادق وتجمعوا عند بوابة المتحف حيث بدأوا التقدم من الشرق الى الغرب.
لم تواجه القوات المتقدمة الا ببعض المقاومة من الحركة اللبنانية والتي لا تملك الا اسلحة خفيفة وبعض الصواريخ المضادة للدبابات( آر. بي. جي )وتم قتل “52 جندياً اسرائيليا” في اليوم الأول.
وقد حضر شارون في التاسعة صباحا ليدير المعركة من على سطح عمارة عالية تقع على مفرق السفارة الكويتية.
اخذت الطائرات الإسرائيلية تحلق في سماء بيروت وفوق منطقة الفاكهاني والمخيمات الفلسطينية حيث بدأت عملية رحيل السكان من مقرات منظمة التحرير الفلسطينية والتي لجأوا اليها اثناء حصار بيروت ونتيجة لتدمير بيوتهم واحكموا الحصار حول المخيمات ومنعوا خروج الأهالي منها.
صباح ذلك اليوم توجه موريس داريبر الموفد الخاص للرئيس الاميركي ريجان الى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ليبحث معه تنفيذ النقطة الثانية من اتفاقية فيليب حبيب والتي تنص على انسحاب كل القوات الغريبة من لبنان.
قام مناحيم بيجن بابلاغه بأن القوات الإسرائيلية تتقدم وتأخذ مراكزها في بيروت الغربية منذ الساعة الخامسة صباحا لمنع حدوث اي انتفاضة دموية وان العملية محدودة بأهدافها ومدتها ايضا.
في المساء بدأت القوات الادإسرائيلية تقصف بالقنابل مخيمي صبرا وشاتيلا فاوقعت عدة اصابات في صفوف المدنيين.
حاول السكان المغادرة الا ان الحواجز الإسرائيلية منعتهم واعادتهم الى المخيمات.
في تلك الليلة انقطعت الكهرباء عن بيروت بشكل مفاجىء وغرفت في ظلام دامس وأخذت تضاء بواسطة الصواريخ المضيئة التي تطلقها القوات الإسرائيلية فوق المخيمين.
خلال 30 ساعة فقط انجز الجيش الصهيوني مهمته وسيطر على بيروت الغربية كلها والتي لم يستطع دخولها او يتقدم نحوها خلال 88 يوما
وفي تل ابيب كانت وزارة الدفاع الصهيونية تحتفل بعيد رأس السنة اليهودية واثناء الإحتفال اعلن شارون نجاح العملية ورفع كأسه وشرب نخب دماء نساء واطفال صبرا وشاتيلا.
اصدر الناطق العسكري بيانا اعلن فيه «ان الجيش الاسرائيلي يسيطر على جميع النقاط الإستراتيجية في بيروت وان مخيمي اللاجئين ومعهما تجمعات الارهابيين محاصران ومقفلان».
استيقظ اهالي المخيمين على هدير الطائرات المحلقة على ارتفاع منخفض، وكانت القوات الإسرائيلية تطوق المخيمين باحكام والقناصة يتمركزون حول المخيم ويختارون اهدافهم في ازقة المخيمين.
بدأ القصف من التلال والمرتفعات المحيطة بالمخيمين واخذت القذائف تتساقط بكثافة، وطوال النهار كان الجرحى ينقلون الي مستشفى غزة دون انقطاع وارسل بعضهم الى مستشفى المقاصد القريب من المخيمين.
بعد ان تم التمهيد للمذبحة بدأت قوات الكتائب اللبنانية تأخذ دورها بعد ان كانت قد انجزت استعدادها وجمعت ما يزيد على الف وخمسمائة مقاتل وقد اتصل الجنرال ايتان بوزيره شارون يعلمه ان الأمور تسير كما اعد لها، وطلب شارون من الجنرال دروري ان يتحقق بنفسه من جاهزية الكتائبيين.
في صباح ذلك اليوم كان الجنرال ايتان قد عقد اجتماعا في مقر القيادة العامة الاسرائيلية تولى فيه شرح مهمات الكتائبيين في المخيمين وقد اشترك في الاجتماع رئيس المخابرات العسكرية والجنرال سايني احد كبار موظفي الموساد ورئيس الشين بيت أي قسم الأمن الداخلي.
عند الظهر استقبل الجنرال دروري في قيادته العامة قائد القوات اللبنانية فادي افرام واستفسر منه اذا كان رجاله على استعداد للدخول الى صبرا وشاتيلا. فاجابه نعم – وحالاً – وطالما انتظرنا هذه اللحظة منذ سنين. فاعطاه الضوء الاخضر للبدء بالمذبحة.
تجمعت القوات الكتائبية قرب مطار بيروت الدولي ثم انطلقت باتجاه المخيمين متتبعة الأسهم والأشارات التي رسمت في الليلة السابقة على جدران المدينة.
في الساعة الثالثة بعد الظهر التقى الجنرال موسى يادون امر القوات الاسرائيلية《 بايلي حبيقة وفادي افرام》 ووضعوا اللمسات الأخيرة، وبذلك انتهى مخطط الأقتحام ولم يبق الا التنفيذ، وأكد لهما ان قواته ستقدم لهم كل الدعم اللازم من اجل تطهير المخيمين من الارهابيين.
بعد هذا الاستعداد اتصل الجنرال دروري بشارون وقال له:
اصحابنا يتقدمون في المخيمين لقد نسقنا عملية دخولهم فأجابه:
تهانينا تمت الموافقة على عملية اصحابنا.
وقد قال شارون للكنيست بأن جنرالاته قد حددت للكتائبيين كيف يقتحمون المخيمين وما عليهم القيام به لتطهيره.
وقد رفض شارون ان يكون هناك ضابط ارتباط داخل المخيمين للابتعاد عن المسؤولية والادعاء بأنه لا يعلم شيء عما يحدث خاصة وانه استمع الى ايلي حبيقة والذي حدثه عن الصورة التي سيتمون بها مهمتهم.
دخل ايلي حبيقة ورجاله الى المخيمين بمباركة من اسرائيل تحركت القوات اللبنانية والتي كانت قد تجمعت قرب مطار بيروت واجتازت احدى النقاط
وصدرت الآوامر للحواجز الإسرائيلي بترك القوات الكتائبية تعبر الى المخيمين عند مغيب الشمس.
هرع عدد من سكان المخيمين الى مقر القيادة الإسرائيلية وابلغوهم بما حصل داخل المخيم الا ان الإسرائيليين امروهم بالعودة الى بيوتهم ومن عاد فقد حياته.
لم تعد العملية كما ادعت اسرائيل بأنها لفصل الأطراف المتقاتلة ولتجنب المذابح فإسرائيل تعلم علم اليقين ان من بقي في المخيمين هم من النساء والأطفال والشيوخ، وانهم غير مسلحين ولم تواجه القوة التي اخذت تقتل وتدمر البيوت بأي مقاومة ،
عندما انتشر خبر المجزرة استدعى وزير الخارجية الاميركي” جور ج شولتز” السفير الإسرائيلي” موشي آرنز’ وسأله عن الهدف الحقيقي الذي ترمي اليه الحكومة الإسرائيلية وما هي المهلة المطلوبة لإخلاء بيروت.
لم تكترث اسرائيل لسؤال شولتز فقد اخذت الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأميركية ولم يعد مهما الإجابة على سؤاله فهي تفعل ما تريد وما يريده شولتز هو ان تظهر الولايات المتحدة وجهها النظيف الحضاري امام شعبها وامام العالم.
فاين الضمانات التي قدمتها حكومتهم لحماية المخيمات الفلسطينية بعد رحيل المقاتلين الفلسطينيين؟ واين تعهدها بعدم دخول الجيش الاسرائيلي الى بيروت؟
لقد جابت سيارات جيب عسكرية اسرائيلية يركبها مرتزقة من القوات الكتائبية ازقة المخيمين مسلحين بسواطير وفؤوس واسلحة رشاشة وعملوا على مدى اربعين ساعة على اطلاق نيرانهم على كل شيء يتحرك وحطموا ابواب البيوت واقتحموها واجهزوا على كل من فيها، عائلات بأكملها ذبحت وأطفال رضع قتلوا على صدور امهاتهم. لم يفرقوا في القتل بين لبناني او فلسطيني مقيم في المخيم كبيرا ام صغيرا ذكرا ام انثى. وفاق عدد الذين قتلوا على الألف شهيد من مختلف الجنسيات مع انه ورغم مرور 40 عاما على المجزرة لم يستطع احد تحديد عدد القتلى لاختفاء عائلات بأكملها .
بعد اكتشاف المجزرة دخلت عدسات الصحافة والتلفزة العربية والأجنبية وهالهم ما رأوا ولم يجدوا اي مقاتل بين جثث الشهداء وانما وجدوا اكواما من الكتل البشرية من اطفال وشيوخ ونساء جمعوا وقتلوا وقطعت رؤوسهم ومثلوا بجثثهم.
لقد قامت البلدوزرات بدخول المخيمين لاتمام المهمة بهدم البيوت واخفاء الجثث وكل آثار الجريمة. تمت جميع عمليات اسرائيل وما زالت تسير على نفس المنهج؛
هل ستبقى اسرائيل بعيدة عن المحاسبة.؟
“محمد سعد عبد اللطيف ”
كاتب مصري وباحث في علم الجغرافيا السياسية “”
ك
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.