بلالي السويح : للديبلوماسية الملكية مايكفي من التمحيص لوأد المؤامرة الجزائرية في تشكيل محور مغاربي لعزل الرباط

voltus29 أغسطس 2022آخر تحديث :
بلالي السويح  : للديبلوماسية الملكية مايكفي من التمحيص لوأد المؤامرة الجزائرية في تشكيل محور مغاربي لعزل الرباط

إن بيان رد وزارة خارجية جمهورية تونس على خطوة المغرب باستدعاء السفير للتشاور، ومقاطعة أشغال قمة طوكيو للتنمية بإفريقيا “تيكاد 8” التي عقدت يومي 27 و28 غشت 2022، بعد الإستقبال والمشاركة المشبوهين لزعيم كيان وهمي، عكس مدى  التناقض والانحراف غير القابل للتبرير نحو مقدمة اعتراف بالجمهورية المزعومة التي ورد ذكرها في البيان ثلاث مرات متتالية.
كان الموقف الرسمي لتونس عموما الحياد التام تفاديا لأي انحياز لأي طرف من الأشقاء، لكن مبررات البيان جاءت إما محملة بسذاجة سياسية بعيدة كل البعد عن دولة مغاربية وعربية ثم إفريقية ومتوسطية، ليست كمثيلاتها من الدول الأخرى إدراكا لخبايا وحساسيات هذا النزاع المفتعل والقياس الدقيق لمسافات التقارب أو التباعد من لهيب نيرانه المشتعلة على كافة المنطقة المغاربية وشعوبها.
أو كذلك إذا ما اعتبرنا أنه بالفعل امر دبر بإحكام، والنقطة التي أفاضت كأسا امتلأ من تلاحق غير مستساغ لمواقف الانحياز المعاكسة لمصالح المملكة الشريفة، أصبح معها الموقف الحيادي مترنحا تحت تأثير رياح التمحور والخروج من المنطقة الرمادية.
بيان تبرير الخارجية التونسية كان بعيدا عن إزالة الغموض المحيط بالدرجة الأولى بالموقف الرسمي التونسي، كذلك حول إلزامية البهرجة البرتوكولية والإعلامية التي رافقت استقبال شخص متابع بارتكابه جرائم تعذيب وقتل في حق الصحراويين، وتخصيص مراسيم وبروتوكول لرئيس دولة مزعومة لا أركان سيادية لها أو اعترافا دوليا كاملا، اللهم تبرير مغالطات قانونية، كان بيان الخارجية المغربية رد عليها بإسهاب حول مساطر وقواعد التحضير لمثل هذه اللقاءات التي تتطلع لبناء الشراكات الميدانية والاستثمار الأمثل للخيرات لعملية نماء القارة الأفريقية.
واقعة استقبال الرئيس التونسي بما شابها من أحكام، أريد منها استفزاز لمشاعر المغاربة ملكا وشعبا، وماكان ذلك ليحصل لولا الرغبة المبطنة وسبق الإصرار من قيس سعيد الذي يعي جيدا بمحدودية سنده السياسي والعسكري الداخلي ويبحث عن هبة قوى خارج تونس، وفي ذلك وجهته للجزائر وبعدها فرنسا للحصول على شرعية مفقودة من هؤلاء الحلفاء ولو بدرجات متفاوتة.
المجازفة هنا بعلاقة متجذرة بين شعبين شقيقين لم تكن قطعا صدفة، بل انقلابا مدبرا خالف كل الحسابات والتوقعات جرت العادة في مختلف العلاقات الدبلوماسية بين بلدان المعمور، فما بالك بالأشقاء، أن تكون مميزة بطبيعة التمثيليات وبروتوكولية مراسيم الاستقبال مما يعبر عن قياس التقارب وحجم الروابط القائمة، إلى درجة أن رسائل الصور من مرتكزات هذه العلاقات الدبلوماسية.
فبغض النظر عن الدور المنوط في تنظيم هذه القمة سواء بالاتحاد الافريقي أو دولة اليابان ومدى تأثيره، لايمكن أن يكون غطاءا تذوب فيه سيادة القرار التونسي على أراضيه.
لايمكن فهم ماجرى دون ربطه بسياق إقليمي تحركت فيه الدبلوماسية التونسية بمنطق غير ذلك الذي رسمته في العقود الخمسة الماضية منذ افتعال هذا النزاع، وذلك عندما امتنعت عن التصويت وهي العضو غير الدائم في مجلس الأمن على القرار الأممي رقم 2602 والذي يدعو لتسوية سياسية تلمح لصدقية وواقعية المقترح المغربي، لايمكن بأي حال اعتباره بريئا، ويخدم أجندة الطرف الجزائري الذي أبدى تحفظه على مضمونه  كواليس التقارب الجزائري التونسي، وإن كانت كما هو معلن لمجابهة تحديات أمنية واقتصادية، فإنها في الواقع كانت محمولة بنوايا استخباراتية جزائرية لجر تونس للاصطفاف في محور ضد المغرب خاصة وأن الاقتصاد التونسي يعاني أزمة اقتصادية وعجز في الموازنة دفعت دبلوماسية قيس سعيد في سعي حثيث لتوفير السيولة الكافية لمواجهة تداعيات المعاش اليومي للتونسيين، مع العلم أن سداد هذا الخصاص عبر إقلاع اقتصادي مرتكز على توطين المشاريع المهيكلة لن يثمر النتائج المرجوة إلا في المديين المتوسط والبعيد.
لا يمكن بأي حال من الأحوال استساغة بأن رجل القانون قد فقد صوابه، إلى درجة من المجازفة بتلك العلاقة المصيرية المتجذرة بين الشعبين التونسي والمغربي نحو هذا الإنحراف الخطير دون ربط ذلك بإملاءات أجندة خارجية جزائرية، تلعب حاليا بورقة دبلوماسية الغاز وتدفق المداخيل والعروض لإعادة التموقع وفك العزلة إقليميا ودوليا كان قد ساهم فيها التأييد الواسع لمقترح الحكم الذاتي الممنوح لأقاليمه الجنوبية.
بدأت بوادر الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس باستدعاء السفيرين للتشاور، ويبدو أنها لن تبقى عند سوء الفهم مادام نظام قيس سعيد متماديا في موقف غاب فيه الوضوح وزاد من تعميق وتأزيم الوضع بشكل غير مسبوق في استعداء المملكة التي تقيس صدق صداقاتها ونجاعة شراكاتها بمنظور هذه القضية المصيرية للمغاربة.
بالمقابل، ومن المرجح أن هذه الدبلوماسية الملكية لن تنساق بدون بصيرة مع أفعال مفاتيح التحكم فيها عن بعد، بل ولها من الوقت مايكفي من التمحيص  والقراءة الشمولية لوأد المؤامرة الجزائرية في تشكيل محور مغاربي لعزل الرباط، ومحاولة بعث دبلوماسية الابتزاز وشراء الذمم الذي من المنتظر أن تواجه الدبلوماسية المغربية تحديات جديدة في إثبات التضامن الدولي للمكانة الرمزية للمملكة وفي الصفوف الأمامية على المستوى القاري، ماعبر عنه رئيس الاتحاد الافريقي السنغالي ماكي سال وعديد الدول الأفريقية،  وموجة الغضب العارمة تونسيا وعربيا من هذا الانحراف غير المسبوق.

الاخبار العاجلة