بقلم: عزيز الدروش
قيادي في حزب التقدم والاشتراكية – ومرشح سابق للأمانة العامة
رغم مرور أكثر من أربعة عقود على تأسيسها، ما تزال جماعة العدل والإحسان تثير جدلاً واسعاً في الساحة السياسية المغربية. فهل تشكل فعلاً تهديداً على استقرار النظام السياسي المغربي، كما يرى البعض؟ وهل تمثل بديلاً حقيقياً يعكس تطلعات وهموم المغاربة؟ أم أن خطابها لا يتجاوز حدود الرمزية والشعارات الأخلاقية؟
رفض للنظام دون بديل عملي
من الناحية النظرية، تُمثّل الجماعة تحدياً رمزياً للنظام السياسي المغربي، كونها ترفض شرعية النظام القائم بكل مؤسساته، بما فيها الملكية والدستور. خطابها يتموقع على طرف نقيض من باقي الفاعلين السياسيين، ويتميز بلغة “التطهير” الروحي والسياسي. لكنها لا تتبنى أي مشروع عملي قابل للتطبيق، ولا تنخرط في آليات التغيير الواقعي مثل الانتخابات أو العمل النقابي أو المرافعة المؤسساتية.
هذا يجعل الجماعة في نظر السلطات *خطراً ناعماً*، لا يملك قدرة مباشرة على تهديد النظام، لكنه يروّج لتصور بديل *نقي* يستهوي فئات من المجتمع، خصوصاً في لحظات الغضب الشعبي والخيبة من الطبقة السياسية التقليدية.
غياب عن قضايا الشعب وهمومه اليومية
رغم شعاراتها الأخلاقية، تعيش الجماعة عزلة شبه تامة عن الواقع الاجتماعي اليومي للمغاربة. فهي لا تخوض معارك من أجل العدالة الاجتماعية أو تحسين أوضاع التعليم والصحة أو مواجهة البطالة والغلاء، ولا تبدي أي انخراط فعلي في الأزمات التي تهز المجتمع، سواء في الريف أو جرادة أو زاكورة أو غيرها.
وفي عز الأزمة الاجتماعية التي يعيشها المغاربة حالياً، بسبب سياسات حكومة عزيز أخنوش التي عمّقت الفقر والتهميش، لم تُختبر الجماعة ولا أنصارها في معركة ميدانية جدية للدفاع عن كرامة الشعب أو حقوقه. لم يخرج أتباعها في مظاهرات حقيقية، ولا شكّلوا قوة ضغط، ولا تجاوَبوا مع آهات المظلومين والمحرومين. وهو ما يطرح تساؤلاً مشروعاً: إذا لم تظهر الجماعة في زمن الأزمة، فمتى إذن؟
قاعدة اجتماعية وهمية
كثيراً ما تُصوَّر الجماعة كأن لها قاعدة شعبية واسعة ومنظمة. لكن هذا الانطباع أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع. فغالبية من يُحسبون على الجماعة لا يتبعونها عن اقتناع فكري أو مشروع سياسي، بل بدافع الاستفادة من شبكات الدعم المادي والمعنوي التي تقدمها الجماعة لأتباعها، خاصة الفقراء وطلبة الجامعات والمعطلين. كما أن ما يميز أتباعها هو نمط من التضامن الداخلي المبني على التراتبية والانضباط، وليس على الانفتاح أو النقاش الحر.
هذا النوع من الارتباط القائم على *المنفعة* و”الطاعة” يجعل قاعدة الجماعة غير مستقرة ولا صلبة، بل قابلة للتفكك بمجرد انكشاف محدودية أفقها السياسي والدعوي، أو في لحظة تحدٍ حقيقي.
التأثير الإعلامي والسياسي: وجود بلا وزن
رغم امتلاكها لتنظيم محكم وأذرع دعوية، فإن الجماعة لا تمتلك وزناً حقيقياً في ميزان القوى السياسي أو الإعلامي. فهي لا تساهم في إنتاج نخب فكرية مؤثرة، ولا تتقاطع مع الحراكات الاجتماعية الكبرى، ولا تبادر لخلق جبهات مدنية وطنية من أجل التغيير. وهو ما يُضعف حضورها السياسي ويجعلها خارج دينامية التحولات التي يعرفها المغرب.
في الأخير نقول أن جماعة العدل و الإحسان بين الحذر الرسمي والعزلة الشعبية
جماعة العدل والإحسان لا تشكل اليوم تهديداً حقيقياً للنظام السياسي المغربي، بقدر ما تمثل *خزّاناً إحتياطياً* للغضب الصامت، لكنها لا تترجمه إلى فعل عملي أو تحرك ميداني. كما أن القاعدة الإجتماعية التي تدعيها هي في الغالب شبكة من المصالح الضيقة والتكافل الداخلي، لا تعكس بالضرورة دعمًا شعبيًا حقيقيًا أو اقتناعًا جماهيريًا بمشروعها.
أما الشعب المغربي، فهو يعيش واقعه المرير تحت وطأة حكومة أخنوش الليبرالي المتوحش تفتقر إلى الحس الاجتماعي و السياسي، دون أن يرى في الجماعة أو غيرها من القوى السياسية من يرفع صوته حقاً دفاعاً عنه. وقد يكون الزمن هو الإختبار الحقيقي لصدق الشعارات، وليس البيانات ولا الولاءات التنظيمية و التضامنمع القضية الفلسطينية أم حشد الأتباع من أجل إسقاط حكومةأخنوش فهو مأجل إلى حين.
*من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى*
عزيز الدروش
قيادي وناشط سياسي مغربي
مرشح سابق للأمانة العامة لحزب التقدم والاشتراكية
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.