سرق المسلسل الاجتماعي/ الكوميدي (سلمات أبو البنات) المشاهدة والمتابعة خلال شهر رمضان والذي يعرض على قناة (إم بي سي 5). المسلسل من إخراج هشام الجباري (2020)، ومن بطولة محمد خيي والسعدية لديب وبشرى أهريش وعمر لطفي… ووجوه فنية جديدة وشابة وبتسجيل عودة البشيرعبدو للتمثيل.
زخم أحداث المسلسل تجعل من المشاهد يفكر ويحلل ويربط الأحداث والمواقف المتعددة بالاستفاضة، وقد يتيه عن الحلول العادلة. قد تكون تلك الأحداث فكرة متداولة في عديد من الأفلام والمسلسلات وبكثرة، لكن في مسلسل (سلمات أبو البنات) أرادت تعرية المسكوت عنه في أوساط المجتمع المغربي الشعبي، حتى أن المسلسل نعيش من خلاله تخمة مساوئ أفعال المغاربة ومكرهم ونسوقها بدون خجل ولا انطواء. أحداث المسلسل تتوزع ما بعد تقاعد رب الأسرة (محمد خيي ) في حي شعبي/ اجتماعي يعيش كل أحداث المتناقضات السلوكية والفوضوية، وصور الأحياء الشعبية ألا خير فيها بالمرة، صور العلاقات الأسرية بالمتشنجة بين أفراد الأسرة الواحدة والممتدة، وبالاستبداد الذكوري، سجل أن الصوت المرتفع في الأسر حاضر في نقاشاتها ، وسلطة الأب لازالت تتحكم وتحكم.
قد نلقي ببعض الملاحظات مهما كانت تحمل من (فلاشات) متنوعة، ولكنا من خلالها نبحث عن وهج عالي الحدة لالتقاط أثر صورة (سلمات أبو البنات) المسوقة للمستهلك المتلقي، و قد نتساءل عن شدة معالجتها السلبية تجاه الممارسات الاجتماعية غير السوية. لن ننتقص قلة من جماليته العمل الفنية والتصويرية وأحداثه الاجتماعية ووجوه الجديدة، ولكنا نلمس أن المسلسل يحتفي بالسلبيات والمطبات الاجتماعية أكثر من زرع الروح الايجابية عند المشاهد والمتلقي بتمرير رؤى المعالجة الضبطية والتصويبة، نجد أن المسلسل دخل مستنقع النواقص والمنعرجات الاجتماعية دون أن يكون له رأي بديل بتقويم تشابكات الأحداث والفصل في نهايتها بالتصويب والتعديل. فمن نقط التشكيك في العلاقات الاجتماعية (المنغلقة والمفتوحة) داخل الأحياء الشعبية، والدفع إلى تعميمها كتصور أحادي، و العمل على تصويرها أنها تتستر على الاغتصاب ويمارس فيها بالتكرر(مول المقهى) كمأساة تقوض ثوابت المجتمع، وتمطيط مشاهد التحرش الجنسي بغية كشف حجاب المسكوت عنه، ومرات عديدة التخويف بالتعميم من علاقة العمل (مستخدمة/مدير)، ومن السرقة الموصوفة دون احترام ذكاء المشاهد (كيف تم إخراج رزمة من الطرز دون ان يلاحظ الأب؟ إلى سرقة الإرث… ) .
من الانتظارت الباقية ألا نجد حلولا علاجية لمجموعة من المشاكل المتراكمة داخل مسلسل (سلمات أبو البنات) بالإجرائية اللحظية، من (التلفة) أن نترك المتلقي في حيرة من أمره (تتعرض ابنة سلامات للاغتصاب وجريمة قتل، ثم تحضر خطوبة أختها وترتق جرحها (فيلم هوليودي) دون علم داخل الأسرة (المنغلقة) ولامرتدات صحية من الخشبة التي ولجت بطنها). من سوء المعالجة أن المسلسل غيب القانون بفعل مقصود لتمطيط الأحداث والمواقف الزاخرة بالفزع والتخويف الاجتماعي. غيبه حين حضر الأمن للمصحة دون التمكن من معرفة هوية الضحية، غيبه حين تم الوصول إلى (القابلة التي تمارس الإجهاض) دون أن يتم الحسم في سلوكها الجنائي، غيبه في السرقات المتكررة وكأن الأمر يعدو طبيعيا ويمارس بسكينة داخل الأسر المغربية، غيب القانون بشكل وافر حين صور لنا المخرج (هشام الجباري) لقطات لبصمة (ياسين أحجام) لفتح الباب، وكأن (مركز النداء/ centre d’appels) ليس به هاتف لاستدعاء الإسعاف والأمن !!!
قضية حتمية يجب الإيمان بها أن المجتمع التقليدي المغربي لا يحمل تلك العيوب الكلية التي أتى بها مسلسل (سلمات أبو البنات) بكميات تراكمية، أن المجتمع المغربي به التنوع ويغلب عليه السلوك الصالح أكثر من ثقوب الطالح، أن الثقة التي جفف ونفى قوتها المسلسل، وخلق لغة التشكيك في الصديق (المغتصب)، وفي بنت الجار (السارقة والهاربة كسلوك غير حضاري من المشكلة)، هي من بين مسوقات السلبية لمسلسل (سلمات أبو البنات) للعلاقات الاجتماعية داخل الأحياء الشعبية. الخير والشر في تواجه وحرب مستديمة، وتكون الغلبة للخير في معظم المسلسلات الكوميدية، لكنا الآن نحن في منتصف حلقات مسلسل (سلمات أبو البنات) تبقى السمة الطاغية هي في إمطار المشاهد بتمعن حثيث في أساليب الشر و الخداع والمكر والسرقة الموصوفة والمقصودة ، وغياب سمو الأخلاق والقانون .
بقيت قضية أخرى يطرحها المسلسل وهي زواج البنات، وكأنهن سلعة للتبضع والعرض والبيع والاستهلاك ، ولا رأي لهن في بناء الذات والشخصية القوية، وغياب الحمولة التعليمية… قد تأتي الحلقات المتبقية من المسلسل بحلول قانونية وقيم وسيطة، قد تأتي برؤية القيم والأخلاق الفاضلة و التي غيبها المسلسل كليا (غير مشهد الحفيد والجدة)، قد يأتي المسلسل بما تبقى من حلقات بسمة حلم في المستقبل دون إبقاء المشاهد في مسودات الماضي والحاضر.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.