تقديم:
لدي الكثير من اخواني السوريين في البرازيل و اتعابش معهم بكل الحب و الوفاء والاحترام المتبادل من كلا الاطراف المنقسمة بين موءيد و معارض للنظام. و انا كمغربي اريد ان ان لا اكون مع اي طرف ضد الاخر ، انا رايت ان اكون مع سوريا الارض سوريا الحضارة الانسانية ، لذالك و كما وعدت اخواني السوريين على ان اكتب عن هذا الصراع الذي يذمي القلب بين كل الفرقاء المتصارعة وان يكون مقالي هذا عربونا لحبي لهوءلاء الذين اتقاسم معهم معاناة المهجر و البعد عن الوطن و الاهل و الاحباب. حتى لا اطيل في هذه المقدمة اترككم لابحار معي في هذا المقال لكي نستخلص العبر و ان نعرف انه لا احد رابح فيما يجري في سوريا.
بعد مايزيد عن اربع سنوات ونصف على انفجار الوضع في سوريا، فإن العنف المشبع بالحقد السياسي والمغزى بالمحفزات الطائفية والمذهبية والمذخر والممول والمدار في بعض أوجهه من مراكز التقرير في النظامين الإقليمي والدولي، أدخل سوريا نفقاً لم تعد تستطيع الخروج منه بقاطراتها الداخلية، بل باتت أسيرة القاطرات الخارجية والتي جعلت الصراع في هذا البلد مدولاً بامتياز.
قد يكون من المبكر تحديد أرقام الخسائر البشرية والاقتصادية والعسكرية، لأن رحى طاحونة الحرب ما تزال تعمل بفعالية، وهي لن تتوقف إلا عندما يقتنع اللاعبون في داخل سوريا ومن خارجها، أن معطى الوضع في سوريا قد وصل إلى مستوى منفعته الجدية . لكن في جردة بسيطة رقمية وهي تقديرية بطبيعة الحال، فإن الذين سقطوا في مسرح العمليات القتالية وبسببها هو أكثر من مئتي وعشرة الاف ضحية، وعدد الذين نزحوا وهجروا في الداخل والى الخارج هو بالملايين، وعدد الوحدات السكنية التي درمت كلياً أو جزئياً، حتى الآن بحدود 1.500.000 وحدة سكنية، عدا المرافق الحيوية والحياتية ذات الطابع الخدماتي والإنمائي وكل ما له علاقة بالبنية التحتية. وتجاوزاً للخسائر البشرية والمادية، فإن الكلفة الاقتصادية ليست أقل سوءاً، اذ تقدر مراكز الإحصاءات أن إعادة تكلفة إعادة أعمار ما تهدم حتى الان يتراوح في حده الأدنى ما بين مئتي مليار دولار وحده الأقصى بنحو ثلاثمئة مليار دولار وأما سعر صرف الليرة السورية فقد انخفض سعرها الرسمي إلى أربعة أضعاف ونصف الضعف مع تدخل الدولة والى سبعة أضعاف في سعرها في السوق السوداء. وسوريا التي لم تكن مديونه في ميزانها التجاري الخارجي، وكان احتياطها النقدي بالعملات الأجنبية بحدود العشرين مليار دولار، أصبحت على حافة النفاذ، وهي تستعين بالقروض الائتمانية من روسيا وإيران لتزويد السوق الاستهلاكية بحاجات أساسية ومنها الفاتورة النفطية.
بعد أربعة أعوام ونصف على انطلاق الحراك الشعبي، واتخاذه منحىالعسكرة بعد لجوء النظام إلى اعتماد الحل الأمني في التصدي لأزمة سياسية بنيوية، انسحبت الجماهير من الشوارع سواء تلك التي كانت تحركها المعارضة، أو تلك التي كان يدفع بها النظام على قاعدة شارع مقابل شارع، وأصبحت القاعدة التي تحكم معطى الوضع الداخلي هي تقابل الخنادق، وحيث ثبت بالحس والملموس، أن أحداً لا يستطيع أن يحسم الأمر لصالحه.
وعليه فإن تطور الأوضاع العسكرية وانعكاسها على البنى العسكرية النظامية والمعارضة، جعل كل من الطرفين يستقوي بإسناد خارجي، ان لجهة المساعدة بالإمساك بالأرض، وان لجهة المساعدة في التسليح والتذخير والتمويل، وهذا ما دفع الأمور إلى درجة من التصعيد العنفي المرعب من ارتكاب أفعال جرمية تتعارض وقوانين الحرب من خلال الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان إلى عدم احترام قواعد الاتفاقيات الاممية والدولية التي ترعى وضع المقاتلين أو الأسرى والمعتقلين، والمدنيين، والتي لم تقتصر على جانب دون الآخر، ومن ثم اللجوء إلى استعمال سلاح ذو قدرة تدميرية هائلة، كالطائرات والصواريخ البعيدة المدى والقنابل الفراغية وأخيراً السلاح الكيماوي الذي تقاذف الطرفان مسؤولية استعماله، ومعه وصلت الأزمة إلى مستوى غير مسبوق في التعاطي الدولي، كانت خلاصة مخاضه الاتفاق الأميركي – الروسي في جنيف والذي أسفر على وضع الترسانة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية تمهيداً لحصرها وتدميرها.
هذه المحطة التي توقف فيها قطار الأزمة السورية، هي الأبرز حتى تاريخه لأنها وضعت اليد الدولية على واحدة من عوامل القوة التي كانت تعتبرها سوريا إحدى وسائط الردع الاستراتيجي في مجرى الصراع العربي – الصهيوني.
هذا الاتفاق اختلفت القراءات السياسية بشأنه، لكن الملفت للنظر أن الكل اعتبر أنه خرج رابحاً منه.
فالنظام السوري اعتبره ربحاً له، لأنه جنبه ضربة عسكرية أميركية، والمعارضة اعتبرت نفسها رابحة، لأن النظام فقد واحدة من أوراق القوة العسكرية لديه، فضلاً عن ان التزامه بالاتفاق، يحمله مسؤولية استعمال هذا السلاح.
أما أميركا فاعتبرت نفسها خرجت رابحة، لأنها استطاعت تحقيق مكسب هام وهو تجريد سوريا من سلاح ردعي في مواجهة العدو الصهيوني دون اللجوء إلى مغامرة عسكرية تعرف كيف تبدأ لكنها لا تعرف كيف تنتهي خاصة وأنها تواجه عدم حماسة داخلية أميركية في الانخراط في نزاعات عسكرية جديدة بعد مأزق العراق وما منيت فيه من خسائر.
أما روسيا، فاعتبرت نفسها أيضاً رابحة، لأن الاتفاق جنب النظام ضربة عسكرية، أولاً، ولأنها
ثانياً وعبر هذا الاتفاق أعادت الاعتبار لدورها في صياغة تفاهمات ذات بعد دولي، وان هذا الاتفاق سيكرس سابقة أولى فعالة لدور روسي في معالجة أزمات مدولة.
أما النظام الإيراني والقوى المرتبطة به، فاعتبرت الاتفاق الذي لم يرحب به بحرارة في وسائل الإعلام الإيرانية وملحقاتها، بأنه سيندرج في خانة الربح، لأنه جنب النظام ضربة عسكرية من ناحية، وجنب من ناحية ثانية إيران والمرتبطين بمرجعية قرارها إحراجاً سياسياً عن عدم قدرتهم على التعامل مع العمل العسكري برد فعل مواز، ولذا فإن الاتفاق أبقى موقفهم ضمن دائرة الخطاب السياسي العالي النبرة كوظيفة تعبوية فقط دون اختبار عملاني في ما لا يريدون الانزلاق إليه.
قد يكون لكل من هؤلاء الذين اعتبروا ان الاتفاق انتج ربحاً سياسياً ، حساباته وتقديراته، لكن في واقع الحال، ان هناك رابح أكبر من ناحية وخاسر أكبر من ناحية أخرى.
أما الخاسر الأكبر فهي سوريا، كمكون وطني، وكموقع ذي أهمية استراتيجية في الجغرافيا السياسية للصراع العربي الصهيوني. فسوريا وبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم فقدت قوة ردعية في مواجهة العدو الصهيوني الذي يمتلك ترسانة نووية وكيماوية كبيرة. وان تقدم سوريا على تقديم هذا التنازل دون مقابل، إلا تجنب ضربة عسكرية، قد لا تكون مضعفة لقوتها الردعية، بقدر ما تضعفها تجريدها من السلاح الكيماوي، ففي هذا خسارة كبيرة على توازن القوة في الصراع العربي – الا سراءيلي .
ابو نعمة نسيب – كريتيبا- البرازيل
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.