المؤشر”.. كابوس يطارد الفقراء في زمن التغطية الصحية الجديدة

abdelaaziz629 يونيو 2025Last Update :
المؤشر”.. كابوس يطارد الفقراء في زمن التغطية الصحية الجديدة

النهار نيوز المغربية:ع الرزاق توجاني

في كل حي شعبي، في كل مقهى أو طابور انتظار أمام المستشفى، لا صوت يعلو فوق صوت “المؤشر”. الكلمة التي تحوّلت إلى كابوس يومي يطارد آلاف المغاربة، خاصة الفئات الهشة التي كانت تستفيد سابقاً من بطاقة “راميد”، قبل أن يتم تعويضها بما يسمى نظام “أمو تضامن”، المحكوم بمعايير غير واضحة ولا مفهومة.

قبل هذا النظام، كان المواطن البسيط يجد بعض الطمأنينة في الحصول على العلاج، حتى وإن كان في ظروف صعبة. أما اليوم، فيُفاجأ كثيرون بأنهم “غير مؤهلين” للاستفادة من التغطية الصحية لأن “المؤشر طالع عليهم”. لكن لا أحد يشرح كيف ولماذا، ومن قرر أن هذا المواطن الفقير ليس محتاجاً؟

الغريب أن معايير الاستحقاق لا تراعي الواقع الاجتماعي. كيف يُعتبر من لديه قرض بنكي في وضعية مريحة؟ القروض يلجأ إليها الناس في حالات العجز، وليس الترف. ومنذ متى صار اشتراك شهري في الإنترنت دليلاً على الغنى؟ الإنترنت أصبحت ضرورة، بل أداة للحصول على المعلومة، وتقديم الشكايات، وحتى التواصل مع المؤسسات الرسمية. هل أصبح امتلاك خط إنترنت بـ100 درهم شهرياً معياراً للرفاه؟

في المقابل، لا أحد يفهم كيف يحصل بعض الأشخاص على تغطية صحية، رغم أنهم يملكون سيارات، منازل، وربما مداخيل غير مصرح بها. هنا تظهر المفارقة المؤلمة: الفقير الحقيقي يُقصى بسبب هاتف أو اشتراك، والميسور يستفيد لأنه يعرف كيف يخفي مؤشرات الثراء.

تتعمق الأزمة أكثر في التعامل مع الإدارة. المواطن الذي يُرفض طلبه، يُطلب منه تقديم طعن، لكنه يواجه مساطر معقدة، وأحياناً تعجيزية. يتنقل من الملحقة إلى الباشوية، من مكتب إلى آخر، فقط ليجد نفسه في مواجهة فراغ إداري لا يملك إجابة ولا حلاً. وبين ورقة مطلوبة ونسخة ناقصة، يظهر وجه آخر من وجوه الاستغلال: مقاهي الأنترنت والمكاتب التي تحوّلت إلى بوابات عبور لا غنى عنها، بأسعار تتفاوت بين عشرة وعشرين درهماً لكل ورقة، دون ضمان أن الملف سيُقبل.

الواقع أن المتضرر الأكبر من هذه المنظومة هو المواطن البسيط، الذي لم يطلب شيئاً سوى حقه في العلاج. المؤشر تحول من وسيلة تقنية إلى أداة ظلم وإقصاء، تفتقر للشفافية والعدالة. والمؤسف أن لا أحد من المسؤولين خرج ليوضح للرأي العام ما يحدث، أو ليشرح كيف تُحتسب الأرقام التي تقرر مصير الناس.

ما يحدث اليوم ليس إصلاحاً صحياً، بل إقصاء ممنهج لفئات محتاجة، تحت غطاء أنظمة إلكترونية لا تراعي الواقع المعاش. والمطلوب ليس فقط مراجعة هذه المعايير، بل مساءلة الجهات التي وضعتها، وإشراك منظمات مستقلة وجمعيات المجتمع المدني في تقييم هذا النظام.

إذا كانت الدولة تؤمن بأن التغطية الصحية حق للجميع، فإن استمرار هذا الوضع يُسائل صدق هذا الشعار، ويضعنا أمام مسؤولية جماعية لإعادة الاعتبار لكرامة المواطن.

المؤشر ليس رقماً… إنه جرح يومي يعيشه المواطن في صمت. فهل من يصغي؟


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading