الحوز المنسي.. حين تفضح الكوارث تواطؤ التهميش وتكشف زيف العدالة المجالية

محرر الموقع4 ساعات agoLast Update :
الحوز المنسي.. حين تفضح الكوارث تواطؤ التهميش وتكشف زيف العدالة المجالية

إبراهيم الغدويني

أسفر زلزال الأطلس الكبير عن خسائر بشرية ومادية كبيرة، ومعاناة إنسانية مؤلمة لازال الكثير من المواطنلت والمواطنين المتضررات والمتضررين يعيش تحت وطأتها إلى يومنا هذا.

لكن، بالمقابل فقد كشف الزلزال عن جانب آخر مظلم لايمكن غض الطرف عنه أو تجاوزه، وأبرز تجليات ذلك هو قدرة تعريف العالم بهذا الحيز المجالي والجغرافي الذي لم يكن معروفا وكان يتم التغطية عنه بجعل العالم بمغرب التي جي في والمونديال. مجال مغيب كعادة مغرب الهامش المفتقد للعناية والاهتمام على مستوى التنمية والرعاية في كل تجلياتها، وغياب من التداول في الاعلام الرسمي وشبه رسمي. مجال غني طبيعيا وموارديا ولكنه معدم تنمويا لدرجة شعور زائره بالسفر عبر الزمن الى العصورالوسطى ماقبل نهضة الطباعة والمحرك البخاري.

من بين هذه المناطق نذكر إقليما كان ولازال جرحه غائرا في قلوبنا وأذهاننا بسبب معادلة سياسية جائرة جعلته يعطي كل شيء و لا يأخذ أي شيء وخندقته في خانة المغرب غير النافع الذي لا يذكر إلا كرقم وخزان انتخابي، ليس لأنه غير نافع فعلا ، بل لأن صانعي السياسات العمومية بالبلاد قصت أجنحته بالإهمال وأفرغت بطارياته فأخذت من التل وجعلته يختل .

يتعلق الأمر هنا بإقليم ” الحوز ” ، هذا الإسم الذي يشكل في حد ذاته عنوانا لاحتقار مجالي وتهميش على كل المستويات . إذ على مستوى الواقع وبلغة الأرقام يتبين بجلاء أننا بصدد مغربين : مغرب الواقع ومغرب المواقع والإعلام الرسمي والخطابات الرسمية ، فالمشهد في ” الحوز ” قاتم و حالك على جميع الأصعدة، حيث الخدمات الاجتماعية شبه منعدمة والبنيات التحتية مغيبة أو مهترئة في افضل حالاتها إن وجدت، أما على المستوى الصحي ، فعدد سيارات الإسعاف المتوفرة على تجهيزات المستعجلات في إقليم الحوز مثلا هو صفر (00) وعدد سيارات الإسعاف العادية التابعة لوزارة الصحة في الإقليم هو تسعة وعشرين ( 29 ) ، ولكم أن تتخيلوا إقليما شاسعا بحجم ” الحوز ” يضم فقط 29 سيارة إسعاف تابعة لوزارة الصحة بتركيبته الجغرافية الصعبة ، وعلى مستوى الكشف عن سرطان الثدي فهو غير متوفر نهائيا في الحوز، وعدد أجهزة الكشف بالتصوير بالرنين المغناطيسي IRM في الحوز هو صفر ( 00 ) ، أما على مستوى العنصر البشري في القطاع العام ، فعدد الأطباء في المجال الحضري هو إثنا عشر طبيبا ( 12 ) ، و بالمقابل فعدد الأطباء في المجال القروي هو تسعة و عشرون طبيبا ( 29 ) ، علما أن أطباء القطاع العام المتخصصين لا يتجاوزون أربعة أطباء في الإقليم ككل ، وبالنسبة للممرضين فعددهم بالإقليم هو أربعة و عشرون في العالم الحضري ( 24 ) وستة وتسعين في العالم القروي ( 96 ) .وبلغة الأرقام دائما فبالنسبة لعدد الأسرة في الإقليم فالرقم صادم و قوامه سرير لكل 10300 مواطن ، وعدد الأطباء هو طبيب لكل 4735 مواطن ( الحديث هنا عن أطباء القطاعين العام والخاص )؛ هذا ولابد من من استحضار معطى اننا بصدد الحديث عن إقليم يضم أكثر من 650.000 نسمة .

هذا الوضع الكارثي يمتد ليشمل التعليم والطرقات والقناطر وغيرها من البنيات التحتية . إنها أرقام تتحدث عن نفسها وصادمة للمتلقي أيا كان، فما بالك بالذي يعيشها ويعاني تحت وطأة قساوتها، غير أن سوداوية الوضع و غرابته ستزداد وتتضاعف عندما الوقوف على إمكانيات ” الحوز ” و موارده الهائلة المتنوعة، حيث سيتبين بالملموس أن الحوز ليس فقيرا، بل تم تفقيره ، و ليس مغربا غير نافع ، بل مغرب نافع أراد له صناع القرار ببلادنا أن يضع بيضه في سلة المركز والاقطاب المركزية جهويا .

تعتبر منطقة “الحوز ” غنية بالثروة المعدنية في مناجم يتم استغلالها من طرف مجموعة من الشركات المغربية والأجنبية من بينها مجمع كماسة و مجمع الحجار ودرع الصفار و مايا كولد ( شركة كندية ) و أزكوندير و غيرها ، و تستخرج من الحوز الاف الأطنان من معادن الزنك والرصاص والنحاس والفضة والذهب واليورانيوم ومعدن الكوبالت الذي يعد معدنا نفيسا مطلوبا في الصناعات العالمية الحديثة.

بالإضافة إلى هذه الثروة المعدنية المهمة ، فالإقليم يضم موارد مائية مهمة و يعتبر حاضنا لتنوع نباتي وحيواني في غاية الأهمية ، كما أن له خلفية تاريخية لا يستهان بها ، إذ شكل منطلقا ومستقرا لمجموعة من الدول التي حكمت المغرب في مراحل تاريخية مختلفة تركت اثارا تاريخية مهمة يمكن استثمارها لجعل المنطقة قطبا سياحيا قائم الذات عوض جعله مجرد حديقة خلفية تابعة لمجالات أخرى .

إن حال إقليم الحوز يسائل بجدية قضية العدالة المجالية ، و يبرز الحاجة الملحة للنظام الفيديرالي الذي من شأنه ضمان التوزيع العادل للسلطة والثروة والقيم ، والقطع مع نموذج الدولة اليعقوبية المتمركزة بإفراط في العاصمة والتي توظف ثروات الجهات ومقدراتها في تنمية “المركز” وصنع خريطة غير عادلة بمفاهيم كولونيالية متجاوزة وغير مقبولة،وإنهاء صلاحية توابل “الجهوية المتقدمة” التي ظلت رهينة سقف الشعارات والاستهلاك الاعلامي دون إحداث تغيير واقعي في الواقع على الارض مجاليا وتنمويا واجتماعيا.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading