بقلم : *محمد بونعاج* مهتم بالشأن الإجتماعي .
بعد القرار الأممي 2797، ودعوة الأحزاب للمشاركة في مقترحات الحل ، عاد القلق القديم إلى الواجهة: هل يكون إدماج الاحزاب السياسية خطوة نحو نهاية النزاع… أم بداية فصل جديد يعيدنا إلى اللحظة التي وُلد فيها المشكل من خطأ حزبي واحد، قبل أن يتحول إلى نصف قرن من الشتات؟
في الظهور الإعلامي الأول لأحد السياسيين ،تهيأ ٱخرون و أشهرت سهام الاصطياد، وحوّلت الكلمات إلى شباك، وكأن كل تصريح فخ، وكل رأي طُعم في موسم الصيد السياسي. فالناس عرفوا حيلة الصيادين الأولى، فبدّل الصيادون الشراك، وبدّلوا معها الأقنعة… لأن هذا عام المنافع، وحصاد السنين العجاف، والمواطن البسيط أصبح الحلقة الأضعف بين حساباتهم وعبثهم.
ومع ذلك، لا بد من فهم ما قيل: السياسي تحدّث عن قانونية المشكل وجغرافيته السياسية، ولم يمسّ جغرافيا الانتماء التي ترسمها القبائل لا الخرائط. فالحدود قد تفصل أرضًا عن أرض، لكنها لا تفصل ابنًا عن أبيه، ولا قبيلة عن جذورها. الجغرافيا السياسية ورقة تتغير، أما الجغرافيا الاجتماعية فنبض يعيش في الصدر مهما تغيّرت الرايات…
لكن وسط هذا الالتباس، نلتمس العذر للسياسي إن ظن ٱخرون أنه أخطأ، ونلتمس العذر لصيادي الكلمات إن حسبوا أن الصيد مباح زمن الشدة، فالجميع مضغوط، والمرحلة رمادية، والنيات مختلطة. ومع ذلك نقول: ضعوا الأمور في مواضعها، وصونوا كرامة أهاليكم، ولا تتركوا من يبثّ السموم في الخفاء يستغلّ غبنكم، فأنتم أبناء جسد واحد، لا أوراق في صراع حزبي لا يشبع ولا يسمن ولايغني … كفاكم. من حرب الشد والمد . تأملوا الأسئلة التي لا يطرحها أحد بصوت واضح، لأنها تُوجِع:
ألم يكفكم نصف قرن من الشتات وتفطّر القلوب؟
ألم يشبع دعاة النعرات مما راكموه؟
ألم تتعب الأجساد المنهكة من خدمتكم وأنتم تزيدون الجرح ملحًا؟
هل تنتظرون «يوسف السياسة» ليؤول حلم السنوات العجاف؟
أم ما زلتم تبحثون عن أحد عشر كوكبًا كي تُضيء سماءكم؟
ألا تفهمون أن بين علم السياسة وعلم الاجتماع قضية ضمير أولًا… قبل أن تكون قضية حسابات؟
يا ساسة الوطن… لا تصطادوا الكلمات من أفواه الناس، فأنتم تعرفون ألاعيب بعضكم أكثر . أما نحن — أبناء هذه الأرض — فلسنا حطبًا لصراعاتكم، ولا قنابل مؤجلة في معارككم. نحفظ كرامة الجميع… فاحفظوا كرامتنا.
إنّ الإنسان لم يطلب الكثير: قليل من الاحترام، قليل من الأمل، قليل من السكينة. لم يطلب ثراءً، بل حياة لا تُداس فيها كرامته بين مطرقة الأحزاب وسندان الانتظار. لقد أرهقه تعب السنين وجفاء الأقارب وتقلّب المواقف.
إن عاد التاريخ فليس لأنه يعشق الدوران، بل لأننا لم نتعلم كيف نوقفه. وإن تاهت الحلول بين علم السياسة وقوانين الجغرافيا، فليتنا لا نضيّع الإنسان مرة أخرى. فالوطن لا ينهض بالوثائق، بل بقلوب صادقة تحفظ العهد.
يا أصحاب الضمائر الحيّة… إن بقي في هذا الطريق نور، فلن يخرج من مقرات الأحزاب، بل من صدوركم أنتم.
كونوا الملح الذي يمنع العفن… لا الريح التي تثير الغبار .
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.



