محمد اكن يكتب:
زايدة، تلك الجماعة الواقعة في قلب الأطلس المتوسط بإقليم ميدلت، كانت إلى عهد قريب رمزًا لمعاناة القرى المغربية التي طالها التهميش لعقود. طرق ضيقة ومهترئة تعزل السكان عن المراكز الحيوية، نقص حاد في الماء الصالح للشرب والتطهير السائل، ضعف في الخدمات الصحية والتعليمية، وغياب فضاءات عمومية تحفظ كرامة الشباب والأطفال. غير أنّ هذه الصورة بدأت تتغير في السنوات الأخيرة بفضل مجهودات متواصلة يبذلها المجلس الجماعي بشراكة وثيقة مع المجلس الجهوي لدرعة-تافيلالت، في سعي حثيث لجعل زايدة ورشة مفتوحة للتنمية المستدامة.
لقد اختار المجلس الجماعي أن يقطع مع منطق التدبير اليومي المحدود، وأن ينخرط في مشاريع مهيكلة ذات أثر بعيد المدى. ولعل أبرز هذه المشاريع ما يتعلق بإعادة تأهيل شبكة التطهير السائل بمركز زايدة والدواوير التابعة لها، وهو مشروع ضخم بكلفة مالية تجاوزت 60 مليون درهم بشراكة مع وزارة الداخلية والوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمكناس، يروم حماية الصحة العامة وصون البيئة. كما جرى إطلاق مشروع حماية الجماعة من أخطار الفيضانات بكلفة قاربت 5.4 مليون درهم بتمويل مشترك بين وزارة التجهيز والماء ووكالة الحوض المائي لملوية والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، وهو استثمار استباقي يبعث الطمأنينة في نفوس الساكنة التي اعتادت مواجهة كوارث موسمية مؤلمة.
ولأن فك العزلة شرط أولي لكل تنمية، فقد جرى العمل على تأهيل الطرق والمسالك القروية بميزانيات مهمة ساهم فيها المجلس الجهوي، مما سهل الربط بين الدواوير ومركز الجماعة، وربط زايدة بالمحاور الإقليمية الكبرى. هذا المجهود انعكس إيجابًا على النقل المدرسي، وتيسير وصول التجار والفلاحين إلى الأسواق، وربط المواطنين بالخدمات الصحية والإدارية. وفي السياق نفسه، حظي قطاع الشباب والرياضة بنصيب من هذه الأوراش، حيث جرى تهيئة ملاعب للقرب بالعشب الاصطناعي بتمويل من المديرية الإقليمية للتربية الوطنية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهو ما وفر متنفسًا طال انتظاره لأبناء المنطقة.
كما شملت الجهود تحسين البنيات الصحية عبر تهيئة مستوصف وتجهيزها بمعدات أساسية، ويفضل المجهودات التي يقوم بها رئيس الجماعة تم جلب سيارة إسعاف جديدة خاصة للمحتاجين .
وإن كان التحدي لا يزال قائمًا في توفير الموارد البشرية الكافية. أما التعليم الأولي، فقد استفاد من دعم ملموس في إطار برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إدراكًا لأهمية الاستثمار في الطفولة المبكرة باعتبارها ركيزة لأي مشروع تنموي ناجح.
هذه المشاريع، على تنوعها، لم تكن لتتحقق لولا اعتماد مقاربة شراكات واسعة بين المجلس الجماعي والمجلس الجهوي من جهة، والمصالح الوزارية والمؤسسات العمومية من جهة أخرى. إنها تجربة تُثبت أنّ التنمية المحلية لا يمكن أن تتحقق بموارد الجماعة المحدودة وحدها، بل تحتاج إلى تعبئة جهوية ووطنية، وإلى انفتاح على خبرات تقنية ومؤسساتية قادرة على ضمان الجودة والاستمرارية.
ومع ذلك، تبقى التنمية الحقيقية رهينة بمدى قدرة هذه المشاريع على تغيير حياة الناس اليومية. فالتحدي لا يقاس فقط بالكلفة المالية أو عدد الأوراش المفتوحة، بل بما إذا كان الطفل سيجد مدرسته قريبة ووسيلة نقله مؤمنة، وبما إذا كانت الأسرة ستتوفر على ماء صالح للشرب دون عناء، وبما إذا كان المواطن سيجد في المستوصف علاجًا يخفف معاناته بدل أن يزيدها. هنا تبرز مسؤولية المجلس في مواكبة الإنجاز بالصيانة، وضمان حسن التدبير، وتفعيل الشفافية والمحاسبة لبناء الثقة مع الساكنة.
زايدة اليوم أمام مفترق طرق حاسم. فإما أن تتحول هذه المشاريع إلى لبنات راسخة في مسار التنمية المستدامة، أو أن تظل مجرد أوراش عابرة لا تلبث أن يطويها النسيان. غير أنّ حجم المجهودات المبذولة من طرف المجلس الجماعي بشراكة مع المجلس الجهوي، وما رافقها من إرادة سياسية صادقة، يؤشر على أنّ زايدة مرشحة لتكون نموذجًا ناجحًا في الأطلس المتوسط، ونقطة ضوء تُثبت أن القرى المغربية قادرة على التحول متى تضافرت الإرادة مع التخطيط الرشيد. إنّ التنمية ليست شعارات ولا صورًا في تقارير رسمية، بل هي قرار جريء ينعكس أثره في تفاصيل الحياة اليومية. وزايدة، بما تحمله من إرث وتجربة، مرشحة اليوم لأن تكتب فصلًا جديدًا من قصة القرى المغربية، فصلًا عنوانه الأمل والإرادة والاستدامة.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.