من كتابات عزيز الدروش
في تصريح يكاد لا يُصدق، خرجت مديرة أكاديمية طنجة تطوان الحسيمة بتقدير كارثي لوضعية و الخطير للتعليم العمومي في المغرب، عندما قالت، بكل ثقة وعلانية و ربما الحقيقة المرة التي لم يتجرأ أي سياسي بالاعلان عنها:
> تلميذ واحد من مؤسسات الريادة يعادل مستوى 80 تلميذا من مدارس غير رائدة.
كلام خطير، ليس فقط لأنه يعكس واقعًا تربويًا مختلًا، بل لأنه يُدين مباشرة كل السياسات العمومية منذ عقود. إنه ليس مجرد تصريح عابر لفاعلة تربوية، بل شهادة من داخل البيت نفسه على فشل ذريع، بل جريمة في حق أجيال بكاملها. والسؤال الآن:د من يحاسب ومن يُحاكم؟
—
جرائم متواصلة… بلا محاسبة
إذا كان تلميذ الريادة يساوي 80 من زملائه، فببساطة نحن أمام نظام تعليمي طبقي مقنن، يُغذي الفوارق ويعيد إنتاج التهميش بأبشع صوره و يكرس الميز العنصري . هذا التصريح ليس فقط فضحًا للتفاوت، بل إدانة صريحة ومباشرة لسياسات الدولة منذ حكومة التناوب سنة 1998، وحتى اليوم.
من إسماعيل العلوي إلى الحبيب المالكي إلى بلمختار إلى أمزازي إلى محمد خشيشن إلى عبد الله الساعف إلى محمد حصاد ثم شكيب بنموسى، مروا على كرسي وزارة التعليم كما تمر السحب، وكلهم تركوا خلفهم الأرقام نفسها:
تسرب مدرسي، اكتظاظ،
تعليم بلا مضمون،
ميزانيات ضخمة بلا أثر،
وتلميذ مغربي يخرج من المدرسة وهو شبه أُمّي
أين ذهبت الأموال؟
أين اختفت الملايير التي صُرفت على برامج الإصلاح، والمخططات الاستعجالية، والمناهج المُحينة، والتكوينات؟
لماذا لم يتحرك المجلس الأعلى للحسابات لمساءلة كل هؤلاء الوزراء؟ لماذا لم نر أي تقرير يحمل مسؤوليات واضحة؟ أليست هذه وظيفة هذه المؤسسات
البرلمان: غرفة صدى أم بيت للصمت؟
أين البرلمان بمجلسيه من هذه الفضيحة؟
لماذا لم نرَ طلب استدعاء رسمي لمديرة الأكاديمية لسماع تفاصيل أكثر؟ لماذا لا يُطلب تحقيق برلماني موسع حول التعليم العمومي؟ أم أن البرلمانيين أيضًا يعرفون الحقيقة ويخشون فتح الجرح؟
صمت البرلمان هو تواطؤ. ونقطة إلى السطر.
و تجدر الإشارة إلى أن كل المسؤوليين السياسيين والنقابيين والإعلاميين لا يؤمنون بالمدرسة العمومية لأنهم يعرفون واقعها ويتزايدون على مستقبل الامة ،أم أبنائهم في أرقى المدارس والجامعات أبناء الشعب للجحيم و المصير المجهول.
الحكومة: شركاء في الجريمة
لا يكفي أن يُغير المغرب وزير التعليم كل بضع سنوات، كما يُغير واجهة متجر. منظومة التعليم ليست شخصًا… بل سياسة.
وما جرى ويجري منذ أكثر من 20 سنة هو إمعان في تحقير التعليم العمومي، وضرب المدرسة الوطنية، ودفع الشعب المغربي دفعًا نحو القطاع الخاص.
أليست هذه جريمة؟
أليست خطة ممنهجة لقتل مبدأ تكافؤ الفرص من المهد؟
—
النقابات والمجتمع المدني: صمت مخجل
أين النقابات العتيدة التي تتصارع على الفُتات؟
لماذا لم يصدر بيان واحد يُدين هذه التصريحات؟
هل أصبح الدفاع عن المدرسة العمومية مجرد شعار يُستعمل لمفاوضات الترقيات والإضرابات؟
أين المثقفون؟ أين اليسار؟ أين دعاة العدالة الاجتماعية؟
إذا كانت الدولة قد خانت تعهداتها، فالنقابات خانت دورها، والمجتمع المدني خذل أولياء الأمور، والنخبة خذلت أبناء الشعب.
المجالس الدستورية: ديكور بلا جدوى
– المجلس الأعلى للتربية والتكوين: صامت، كما لو أن التصريح لا يعنيه.
– المجلس الوطني لحقوق الإنسان: هل يعقل أن يُعامل طفل كمواطن درجة 4 في وطنه، ولا يتحرك هذا المجلس؟
– المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: ماذا يفعل؟ أين دراساته؟ ما هي توصياته؟ هل من تقرير واحد عن الهدر المدرسي، أو الفوارق الصارخة داخل المدرسة المغربية؟
كل هذه المجالس تُكلف خزينة الدولة ميزانيات ضخمة، لكنها لم تتحرك أمام تصريح يهز أركان الدولة. لماذا؟ لأن النظام السياسي المغربي بُني على قاعدة الصمت مقابل الامتيازات.
في الاخير هل من محاسبة؟
المفروض أن يفتح الوكيل العام للملك و رئيس النيابة العامة تحقيقًا جنائيًا مع جميع الوزراء السابقين للتعليم، ومع كل المتدخلين في القطاع، ويُعرضوا على القضاء بتهم تبديد المال العام، والإضرار المتعمد بمصالح الأجيال، وصناعة الفوارق الاجتماعية عن سبق إصرار.
لكننا نعلم أن هذا لن يحدث.
في المغرب، اللاعدالة هي القاعدة، والانتقائية في المحاسبة هي المبدأ.
ومع ذلك، فإن هذا التصريح لن يُنسى. لقد خرج إلى العلن، وكشف المستور، وأكد أن كل من يُراهن على صمت الشعب، سيفاجأ بانفجارٍ لا يُبقي ولا يذر.
أنقذوا المدرسةالعمومية
من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى.
عزيز الدروش محلل و فاعل سياسي
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.