بقلم: *عزيز الدروش*
في خرجة إعلامية مثيرة للجدل، عاد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، لإثارة العواصف السياسية مجددًا، بتصريح غير مسبوق قال فيه: “إذا أراد الملك أن يدخلني السجن، فأنا مستعد”. عبارة مشحونة بالدلالات، ملغومة في توقيتها، ولا تخلو من المكر السياسي، تُعيد طرح السؤال حول نوايا هذا الرجل الذي خبر فن الخطابة والتلاعب بالخطاب الشعبوي.
تصريح يتجاوز الجرأة إلى الابتزاز الرمزي
ما قاله بنكيران *في الندوة الصحفية لتقديم ورقته لوزارة الداخلية* لا يمكن قراءته كمجرد *تحدٍّ* شخصي أو موقف تعبيري عابر، بل هو تصريح خطير يضع المؤسسة الملكية في موضع المتَّهِم، ويفتح الباب لتأويلات قد تصل إلى حدّ اتهام الملك، بشكل غير مباشر، بالوقوف وراء الاعتقالات السياسية التي يعرفها المغرب في السنوات الأخيرة.
فهل كان بنكيران يسعى للتضامن مع المعتقلين السياسيين والمدونين والنشطاء؟ بالطبع لا. بل استغل معاناتهم ومصيرهم ليُقحم نفسه، بشيء من الانتهازية، في مشهد الضحية المفترضة. لقد تقمص دور “المستعد للشهادة”، بينما هو في الحقيقة يوزع الاتهامات والرسائل الملغومة، ويحاول اللعب على حبال التناقضات السياسية والمؤسساتية.
التلاعب بالرأي العام: *لعب بالنار*
حين يتحدث زعيم حزب *إسلامي ورئيس الحكومة السابق* بهذا الشكل، فهو لا يعبّر فقط عن رأي، بل يبعث برسائل مزدوجة، موجّهة من جهة لقاعدته الشعبية التي فقدت الثقة فيه بعد سقوطه المدوي في الانتخابات، ومن جهة أخرى للمخزن، كنوع من الضغط أو التهديد السياسي المغلف بـ”الاستعداد للتضحية”.
لكن الأخطر من ذلك، أن بنكيران، وهو يعرف تأثير كلماته، يفتح الباب أمام تأويلات خطيرة: هل المعتقلون السياسيون في المغرب خلف القضبان بأمر من الملك؟ هذا هو الجوهر المسموم لتصريحه، الذي يُلمّح أكثر مما يُصرّح، ويزرع الشك أكثر مما يوضّح.
ازدواجية الخطاب والانتهازية السياسية
لا يخفى على أحد أن بنكيران كان، طيلة ولايته الحكومية، الأكثر دفاعًا عن *التوافق مع المخزن،*، ولم يكن ليفوّت مناسبة إلا وأشاد فيها بـ *الملكية التنفيذية*. فكيف يتحول الآن إلى *معارض شرس* يتحدث بمنطق *السجن والاستعداد للتضحية*؟ أليس هذا جزءًا من محاولة إعادة تدوير نفسه سياسيًا، بعدما لفظه الشارع وصناديق الاقتراع؟
تصريح بنكيران ليس فقط قنبلة صوتية فارغة، بل هو محاولة مكشوفة لاستثمار مناخ الاحتقان الحقوقي الذي يعيشه المغرب، دون أن يقدم أي موقف صريح أو تضامني مع معتقلي الرأي. إنه خطاب انتهازي بامتياز، يتقن فن التمويه، ويغلف الرسائل الخطيرة بعبارات درامية تنتهي دومًا عند جملة: *أنا رجل دولة*.
الخلاصة: بنكيران ليس ضحية… بل لاعب ماهر في مسرح العبث السياسي التضليلي
على المغاربة أن يقرؤوا بين السطور. بنكيران لا يقول شيئًا عبثًا. كل كلمة مدروسة، وكل تصريح محمّل بالمعاني. لكنه لا يمثل اليوم سوى نفسه، وحفنة من أنصاره الذين ما زالوا يحنون إلى زمن الشعارات الفارغة.
الخطاب السياسي في المغرب يحتاج إلى وضوح، إلى شجاعة في تسمية الأشياء بمسمياتها، لا إلى رسائل ملغومة تضرب في العمق ثقة المواطنين في المؤسسات، وتستثمر في آلام المعتقلين والمقموعين دون وجه حق.
إننا لا نحتاج إلى زعماء يستعرضون بطولات وهمية، بل إلى رجال مواقف حقيقية… وبنكيران، كما يبدو، اختار طريقًا آخر.
*من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى*
*عزيز الدروش محلل و فاعل سياسي*
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.