يتعرض العرب المسيحيون بوضوح لحملة تهدف إلى إخراجهم من الوطن. وهم ركنه اللامع، وهم أخوتنا في الله والوطن، والحملة، وهذا أكثر وضوحاً، تقف ورائها قوى سوداء ومشبوهة. في كل مكان وحيثما كان، فالقوى التي تقوم بالأعمال الإجرامية هي قوى سوداء، ومن يتخذ الإجرام وسيلة لغاياته، فالوسيلة هذه ليست شريفة.
لماذا…..؟
منذ عهود الرسول (ص) لمسيحيي بلاد الشام، ومنذ عهد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب الشهير لمسيحيي العرب والشرق عامة (طي مقالنا هذا)، وهناك تعايش فريد من نوعه، يلقم من يفتح شدقيه بالتعصب، حجراً يغلق الأفواه الثرثارة التي تمثل أبواق المصالح الأجنبية في الوطن العربي.
المسيحيون العرب منذ ذلك الحين مواطنون مخلصون لأمتهم، ووطنهم، وسأضرب بعض الأمثلة الساطعة. لقد قاتل مسيحيون عرب مع الجيش العربي الإسلامي ضد الروم في بلاد الشام، وكذا فعل عرب مصريون قاتلو مع الجيوش العربي التي فتحت مصر، وكذلك فعل أيضاً عرب عراقيون عندما قاتلو جيوش الفرس المحتلة مع إخوانهم العرب رغم أنهم كانوا على العقيدة المزدكية التي كانت تجمعهم بالفرس المحتلين لوطنهم، فانتصروا للوطن، وانتصروا للعروبة.
لا نريد أن ننسى، كيف أستقبل مسيحيو الحبشة المسلمون الأوائل وآوهم واحتضنوهم، ودافعوا عنهم، لا ننسى أن ورقة بن نوفل المسيحي أبن عم السيدة خديجة زوج الرسول كان مسيحياً وآزر الرسول في دعوته، ولن ننس القس المسيحي في يثرب يوم قدم طعامه للرسول في الطائف، بل لا ننسى الراهب بحيري (في بصرى الشام) يوم تنبأ لعم النبي عبد المطلب بأن يكون لأبن أخيه شأن عظيم..
ليتذكر كل مسلم، أن زوج الرسول مسيحية (السيدة مارية القبطية) وأم لولده. وأن أمهات العديد من خلفاء المسلمين كن على الديانة المسيجية.
المسيحيون العرب كانوا أفضل مع عمل في بناء الدولة العربية الإسلامية يداً بيد مع المسلمين، عملوا في الإدارة وأشتغلوا في الطب والفلك والعلوم الأخرى، وكانوا أفضل المستشارين المخلصين لخلفاء المسلمين، ولهم أيادي بيضاء لا يمكن نكرانها وتناسيها، وفي ذلك ليس لأحد فضل على أحد، فهم عملوا لأوطانهم، وشعبهم وللخير والصالح العام وهذه نظرة تسمو على الطائفية والتعصب، عمل الخير وإجادة الصنعة عمل طيب يحمد فاعله، بينما التعصب ليس سوى أعمال جهلة، ما لم نقل مشبوهين… بل هي كذلك ولا نريد أن نلطف العبارات، فالخطب جدي ويستحق من الجميع وقفة جدية.
المسيحيون في وطنهم، لا منة من أحد، وبين أحضان شعبهم الذي عملوا وأخلصوا له قرون كثيرة، منذ فجر الإسلام وحتى الآن. لهم ما لأي ملك ورئيس عربي، فليس هناك حفنة من تراب الوطن أغلى من غيرها، وليس لمواطن حقوق مضافة على أخيه المواطن.
سأرفق مقالتي بأحاديث وعهود للرسول محمد (ص) ولقادة العرب والإسلام. من يقرأها لا شك أنه سينتزع من فكره خلية تسللت إليه عبر تحريض ثقافي أجنبي أو مشبوه. وليتذكر إن تخريب الكنائس والتعرض لرجال الدين المسيحي، هي هو جريمة في التقاليد الإسلامية بقدر ما هي جريمة وطنية، وأكثر من ذلك جريمة تعاقب عليها القوانين الوضعية، فليقرئها كل ذو عين، وليعرف أنما هو يخالف الرسول والخلفاء الراشدين: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.
نعم، للأسف المسيحيون العرب كانوا خلال أجيال هدف التآمر الأجنبي على بلداننا، لعبة قذرة لعبها كل أجنبي يريد أن يتربع في بلداننا، فيحرم ويحلل كما يشاء، وينشر العداوات والبغضاء، ويشق الصفوف، هذا مؤكد وطبيعي لمكل من يريد شراً بنا، ولكن لماذا يقبل بعضنا أن يلعب دور مخلب القط…؟
المحتلون الأجانب لم يفرقوا بين المسلمين والمسيحيين، بل وأيضاً بين أبناء الديانة الواحدة على أسس الطائفية البغيضة، تقسيم كل وحدة يصعب اقتحامها بالقوة، فيحل الخبث والدهاء ليعلب لعبته، فيفرق أبناء الوطن الواحد، أبناء القومية الواحدة، أبناء الدين الواحد، ألم يلعبوا على التناقض بين الطوائف المسيحية في البلقان، بين أرثودوكس وكاثوليك، ألم يلعبوا على التناقض الكاثوليكي البروتستانتي سنين طويلة، راح فيها أعداد هائلة من الضحايا..!
ستجد من يقول أن هناك من المسيحيين من تعاون مع المحتلين الأجانب، الغربيين تحديداً بالنظر ويعزو ذلك لصلة الدين. نعم قد حدث مثل هذا، ولكن لتعيد السؤال بنفس القوة، ألم يتعاون عرب مسلمون مع الأجنبي المحتل مسيحي كان أو غير مسيحي..؟
نعم الخيانة ليس لها دين، هي شيئ مستهجن ومحتقر كائن كان من قام به، بصرف النظر عن دينه وطائفته وقوميته..
ولكن لنتذكر جميعاً الأيادي البيضاء للمسيحيين على الثقافة العربية، وبينهم نجوم لامعة في سماء الثقافة العربية والإسلامية، وتجد بين القساوسة المسيحيين من يتحدث بلغة الأدب العربي كواحد من أرفع الأدباء منزلة.، بل بينهم شعراء وأدباء لامعون، أليس الأب أنستاس الكرملي واحد منهم…؟ أليس المطران كبوتشي فدى حياته لفلسطين، لنتذكر كثير من الشهداء المسيحيين الذين قدموا أرواحهم فداء لدول العروبة والإسلام..! وفي المقدمة منهم الشهيد جول جمال، وأعداد لا حصر لها من الطيارين والضباط والجنود.
لنتذكر ما قدمه مناضلون مسيحيون من أجل الوطن والأمة في كل مكان، تذكروا مكرم عبيد القائد الوفدي في مصر، تذكروا ميشيل عفلق الذي بلغت محبته للإسلام أن أشهر إسلامه، وأبقى ذلك سراً لكي لا يكون الأمر عرضة للمتاجرة، تذكروا القائد جورج حبش، تذكروا القائد في حركة فتح وليام نصار تذكروا الكثير والكثير ممن أخلصوا للوطن وضحوا بأنفسهم..
فك عرى الأخوة الإسلامية ـ المسيحية هدف مشبوه، هدف يسعى له الأجنبي الطامع ببلادنا، هدف يعمل من أجله من يريد تمزيق نسيج بلادنا، لنقف جميعنا ضده بقوة… المسيحيون ركن مهم وعزيز في بلادنا، رسولنا وخلفاؤنا قالوا: أن كل مسيحي في ذمتي، لنكرر قولهم الحق، مقولة الخير والتعاون والمحبة والسلام.
مطلوب من الجميع، مطلوب من الجميع، الوقوف ضد هذه الهجمة المشبوهة بصرف النظر من ورائها، المسيحيون العرب وأشقاء لنا في الله والوطن وخبزة العيش للأبد.
ابو نعمة نسيب- كريتيبا-البرازيل
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.