الشاعرة الهام عيسى (سوريا)
الناقدة: جليلة المازني (تونس)
الومضة الشعرية
===============
قال لي:أنت النور في زمن
العتمة…
قلت له: دمت سندي
وبوصلتي شمسك لن تأفل
لن تغيب…
==============
لقد انْبنَتْ الومضة الشعرية على خطابين:
– خطاب بضمير الغائب المفرد(قال لي)
– خطاب بضمير المتكلم المفرد (قلت له).
والخطاب الاول موجه الى المخاطبة المفردة (أنت) والثاني موجّه الى المخاطب المفرد (أنتَ)
انها مقابلة معنوية بين المخاطبيْن (الحبيب والحبيبة).
لئن اعتبر الحبيب الحبيبة النور في زمن العتمة فهي تعتبره سندها وبوصلتها والشمس التي لن تأفل ولن تغيب.
والنورهو “طاقة مضيئة , في الغالب يتصف على أنه شعاع كهرومغناطيسي تقدر العين البشرية تلقيه والاحساس به , وهو المسؤول عن حاسة الابصار لانه بدونه لا يستطيع الانسان أن يرى الأشياء حوله “(1).
والنور يحيلنا الى سورة النور والآية (35)”الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمْسسْه نارٌ
نورٌ على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم”
قابلت الشاعرة باستخدام طباق لفظي(النور/ العتمة) لتجعل الحبيب يُشيد بمزايا النور في زمن العتمة.
والعتمة هي ظلمة الليل .سار في العتمة- استتر اللصّ بعتمة الليل محاولا السرقة
والعتمة لها رمزيتها السلبية .
ففي العتمة تُقترف كل الكبائر التي نهانا الله عنها من سرقة وَزنًا واجرام…
– فهل يمكن للحبيبة بنورها أن تبعده عن المعاصي في زمن كثرت فيه الموبقات؟
– هل يمكن بهذا النور المقدس أن تحميه من الضلال والتيه؟
– هل أن حياته في عتمة وبنورها ستنْتشله من هذا الظلام وهذا الضلال ؟
– هل هي ستحمل قبس النور لتنير دربه وتقوده الى برّ الأمان؟
لعلنا نجد جوابا عن كل هذه الأسئلة في ردّ الحبيبة .
ان ردّ الحبيبة على حبيبها يَنْحُو بهذه الومضة الشعرية منحى المناظرة في الحبّ.
و”المناضرة عادة هي حوار بين شخصين حول موضوع واحد من وجهتين مختلفتين من النظر لتحويل الافكار الى مواقف أشخاص والمعاني المجردة الى تجارب حية”(2)
وقانون المناظرة يقتضي فائزا وخاسرا وقد يقتضي فائزين مُتعادليْن.
وبالتالي فأي نتيجة سنخرج بها؟
يقول الحبيب لحبيبته:
قال لي:أنت النور في زمن
العتمة..
تقول الحبيبة لحبيبها :
قلت له : دمت سندي
وبوصلتي,شمسك لن تأفل
لن تغيب
ان الحبيبة استخدمت فعلا ناقصا من مجموعة أفعال كان وأخواتها.
ودام الشيء في معجم المعاني الجامع يعني ثبت واستقرّ وبقي.
فما الذي تريد الحبيبة دوامه واستقراره وبقاءه؟
ان الحبيبة تطلب دوام الحبيب سندا وبوصلة حياتها .
ان الحبيب كان سند وبوصلة في حياتها وهي نعمة تطلب دوامها.
والسند في الحياة هو ” الشخص الذي يمكننا الاعتماد عليه في الاوقات الصعبة
وهو الشخص الذي يفرح لفرحنا ويحزن لحزننا”(3)
يبدو أن الحبيبة تريد دوام حبيبها سندا لها تتقاسم معه مرارة الشدة وحلاوة الرخاء.
وأكثر من ذلك فهي تريده أن يبقى بوصلتها في الحياة.
والبوصلة بمعناها المجازي “ليست سياسية او جغرافية فقط ,إنها أخلاقية
بامتياز ما دامت تحدد المسموح به والمحظور..”(4).
انها تريد أن يبقى حبيبها قائدا لها يوجهها للخير ويجنبها طريق الشرّ.
وتواصل الشاعرة على لسان الحبيب باستخدام جملة فعلية فاعلها مقدم(شمسك لن تأفل..لن تغيب)وقد نعتبرها جملة اسمية (شمسك مبتدأ).
وعلى أي حال فإن كان المركب الاضافي (شمسك) فاعلا أو مبتدأ فالشاعرة قدمته فاعلا اوابتدأت به الجملة لتركّز على مكانته في تصدّر الجملة .
ومن الناحية البلاغية هي استعارة لاضفاء معنى الشمس على كل الأركان المضيئة في حياتها .
وقد توخّت الشاعرة أسلوبا فيه شيء من التحدي باستخدام لن الزمخشرية التي تنفي الحاضر والمستقبل فنفت عن شمس حبيبها الأفول والغياب حاضرا ومستقبلا.
ويتجلى التحدي في جعل الشمس مشرقة دون غياب والشمس تشرق في النهار
وتغيب بالليل حتى أن النبي ابراهيم حين اعتقد أن الشمس هي الله ولما أفل قال لا يمكن أن يفل الله(سورة الانعام الآية (78)”فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي
فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون”).
وفي هذا السياق فان الشاعرة على لسان الحبيبة قد استخدمت الشمس في معناها المجازي لتجعل شمس حبيبها مضيئة على الدوام لا يؤثر فيها الحدثان(الليل والنهار).
انه يضيء أركان حياتها المظلمة ليلا نهارا فلا ضغوط للزمن عليه.
وبالتالي لئن اختزل الحبيب حبيبته في معنى النور باستخدام جملة اسمية اقرارية فالحبيبة استخدمت ثلاث مفردات(سندي /بوصلتي/شمسك) لوصف حبيبها.
وفي هذا الاطار أترك للقارئ الحكم النهائي على هذه المناضرة الشعرية في
الحب بين الحبيب وحبيبته.
هذه المناضرة الشعرية في الحب قد تتناص شكلا مع مناضرة قيس وليلى في
الحب والفراق (5):
تقول ليلى:
ويح قلبي من حبيب غاب// عني وترك القلب حيرانا
أكان حبا يا قيس ما رأيته // أم كان حبك لي زورا وبهتانا
يقول قيس:
أتشكّين يا ليلي في حبي// لك والقلب مفجوع بما كانا
ترقين يا ليلي الى غيري// وأبيتُ ليلي بالهموم غرقانا
ان الطريف في مناضرة الشاعرة الهام عيسى بين الحبيب وحبيبته أنها كانت ضمن ومضة شعرية محكومة بثنائية الايجاز والتكثيف ومحتواها رمزية الحبيب والحبيبة بالنسبة للواحد منهما فكانت لها طعم على حده .
شكرا للشاعرة المبدعة الهام عيسى التي جمعت بين جنس الومضة الشعرية وفنّ المناضرة.
بتاريخ 24/09/2024
المراجع:
Httpd://arz.wikipedia.org>wiki>..(1)
النور- ويكيبيديا النور- ويكيبيديا. https://www.alethad.ae>wejhatartcle(2)
أدب السجال وفن المناضرة
https://www.édaraba.com>(3)
كلام عن أخي سندي ومصدر قوّتي في الحياة
https://www.wattan.net>news(4)
(09/08/2011) في غياب البوصلة…بقلم:خيري منصور
Facebook(5)رواق الادب.
رواق الادب – مناضرة شعرية بين قيس وليلى…
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.