رؤساء المصالح والأقسام بالمديريات والأكاديميات بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. عمود الإصلاح المنسي بين ثقل المسؤولية وغياب الإنصاف

abdelaaziz6ساعتين agoLast Update :
رؤساء المصالح والأقسام بالمديريات والأكاديميات بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. عمود الإصلاح المنسي بين ثقل المسؤولية وغياب الإنصاف

مراسلة خاصة

لأول مرة في التاريخ النضالي داخل قطاع التربية الوطنية، يخرج ملف فئة إدارية ظلت لسنوات طويلة تشتغل في صمت، وتتحمل العبء الأكبر في تنزيل السياسات العمومية، دون أن تحظى بما يوازي ذلك من إنصاف مهني أو تحفيز مادي. يتعلق الأمر برؤساء المصالح ورؤساء الأقسام بالمديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية، الذين يشكلون القلب النابض للتدبير الإداري اليومي داخل المنظومة التربوية.

فهذه الفئة تضطلع بأدوار محورية في أجرأة البرامج والإصلاحات وضمان الاستمرارية اليومية للمرفق التربوي، ليس على مستوى التخطيط أو التتبع الشكلي، بل في صلب التنفيذ الميداني للقرارات والبرامج. وتشمل مهامهم تدبير الموارد البشرية، والحركات الانتقالية، وتنظيم الامتحانات الإشهادية، وضبط الخريطة التربوية، والإحصاء المدرسي، وتتبع الصفقات العمومية ومشاريع البناء والتجهيز، فضلا عن السهر المتواصل على السير العادي للمؤسسات التعليمية طيلة الموسم الدراسي.

ورغم هذا الثقل الوظيفي، ما تزال وضعية رؤساء المصالح والأقسام مؤطرة بنظام تعويضي متقادم يستند إلى مراسيم تنظيمية تعود إلى سنتي 1976 و1997، وهي نصوص لم تعد تواكب التحولات العميقة التي عرفها القطاع، ولا تعكس حجم المسؤوليات ولا الضغط المهني المتزايد، ولا وتيرة الاشتغال التي تتجاوز التوقيت الإداري وتمتد إلى العطل ونهايات الأسبوع، في سياق تتصاعد فيه انتظارات المجتمع من المدرسة العمومية.

وتتجلى المفارقة بشكل أكثر حدة عند مقارنة وضعية هذه الفئة بباقي أطر الوزارة، حيث تظل وضعيتهم المهنية أقل اقتدارا من حيث التعويضات والتحفيزات، بما فيهم مديرو التعليم الابتدائي والثانوي، رغم تشابه المسؤوليات وتداخلها، بل وتفوقها أحيانا من حيث تعقيد الملفات وكثافة الضغط. وهو وضع يكرس اختلالا واضحا في منطق العدالة الوظيفية داخل نفس الهرم الإداري، ويطرح تساؤلات مشروعة حول معايير توزيع الأعباء والامتيازات.

وفي مقابل هذا الواقع، تستفيد فئات محددة، وعلى رأسها المديرون الإقليميون، من تعويضات شهرية قد تصل إلى حوالي 30 ألف درهم، في حين يظل رؤساء المصالح والأقسام، الذين يشكلون العمود الفقري للتنزيل الميداني للإصلاحات، خارج أي تحيين منصف لوضعيتهم المهنية. تفاوت صارخ يعكس خللا بنيويا في توزيع التعويضات، ويغذي الإحساس بالتهميش داخل فئة تتحمل العبء الأكبر دون مقابل عادل.

والمفارقة الأكثر إثارة للقلق، أن رؤساء المصالح والأقسام بالمديريات والأكاديميات، الموكول إليهم فعليا أجرأة وتنفيذ مشاريع الإصلاح على الأرض، يظلون مغيبين عن دوائر القرار والتحفيز، في وقت تُسَوَّق فيه خطابات الإصلاح وتُمنح الامتيازات للواجهة القيادية. وهو تغييب لا يمكن اعتباره عرضيا، بل يعكس اختلالا عميقا في هندسة التدبير، حيث يتم استنزاف فئة محورية دون اعتراف بدورها أو توفير شروط الاستقرار والتحفيز.

ولهذا، تم حمل الإشارة بجميع المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية كرسالة احتجاج وتنبيه واضحة إلى الوزارة الوصية، وعلى رأسها وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في خطوة رمزية لكنها دالة على حجم الاحتقان القائم. وهي رسالة تعكس انتقال هذه الفئة من منطق الصمت إلى منطق التعبير الجماعي المنظم، وتنذر، في حال استمرار التجاهل، بتصعيد غير مسبوق قد يعمق حالة التوتر داخل منظومة إدارية تشكل العمود الفقري لتنزيل الإصلاحات.

إن استمرار هذا الوضع يطرح بإلحاح سؤال الحكامة داخل قطاع يفترض أن يكون في صلب أولويات الدولة، إذ لا يمكن الحديث عن إصلاح تربوي ناجع بمنطق تدبير يقوم على إنهاك الأطر الوسيطة وتحميلها مسؤولية التنفيذ دون تمكينها من حقوق مهنية منصفة. فالإصلاح لا يُدار بالشعارات، ولا ينجح بمنطق التفاوت الصارخ داخل نفس المنظومة.

وفي هذا السياق، تتعالى الدعوات المطالبة بمراجعة شاملة لنظام التعويضات المرتبطة بالمهام والمسؤولية، وتحسين التعويضات الجغرافية، وتمكين المعنيين من السكن الإداري، إلى جانب تفعيل آليات الحركية الإدارية بما يضمن مسارات مهنية عادلة ومحفزة، أسوة بما هو معمول به في قطاعات وزارية أخرى قامت بتحيين أنظمتها التعويضية انسجاما مع متطلبات الحكامة الجيدة.

وتبقى هذه المطالب، في جوهرها، رهانا مؤسساتيا يرتبط بجودة التدبير العمومي ومصداقية الإصلاح التربوي، إذ إن إنصاف الأطر الإدارية وتحفيزها لا يشكل امتيازا، بل شرطا أساسيا لنجاعة السياسات العمومية، وضمانة حقيقية لتحقيق إصلاح تربوي فعلي، قائم على العدالة والفعالية والمسؤولية.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading