ألقت الكلمة الافتتاحية لرئاسة “نادي قضاة المغرب” في الندوة الوطنية حول:
“حقوق الإنسان بالمغرب: التحولات والرهانات”
بالنيابة عن الرئيس نائبته القاضية الأستاذة إيمان مساعد وجاءت الكلمة كالتالي:
بسم الله الرحمين الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛
السيد رئيس المركز المتوسطي للدراسات القانونية والقضائية؛
السيد عمدة مدينة طنجة؛
السيد نقيب هيئة المحامين بطنجة؛
السيد ممثل اللجنة الجهوية لحقوق الانسان بجهة طنجة تطوان الحسيمة؛
السيد ممثل مؤسسة وسيط المملكة، المندوبية الجهوية لجهة طنجة تطوان الحسيمة.
السيد ممثل المنظمة المغربية لحقوق الانسان؛
الحضور الكريم.
أما بعد.
يُسعد “نادي قضاة المغرب” مشاركَته في هذه الندوة الوطنية حول: “حقوق الإنسان بالمغرب: التحولات والرهانات”، وذلك لعدة اعتبارات، أهمها مكانة حقوق الإنسان ضمن أدبياته ووثائقه، حيث اختار، عن وعي وقناعة، جعل منظومة حقوق الإنسان مرجعا من مرجعياته الأساسية إلى جانب: الدستور، والقانون، والتوجيهات الملكية السامية.
ويتجلى هذا الاختيار، بالأساس، في الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها والعمل على تنزيلها، حيث صَدَّر قائمتَها في المادة الرابعة من قانونه الأساسي بـ: “الدفاع عن الضمانات الأساسية للحقوق وحريات المواطنين”، ثم أعقبها بـ: “الدفاع عن السلطة القضائية واستقلالها”.
وإذا كانت الحمولة الحقوقية للهدف الأول لا تُخطِئُها العين، فإن غاية الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية هي الأخرى ذات حمولة حقوقية بامتياز، ذلك أن هذه الاستقلالية لا تعتبر حقا للقضاة، وإنما هي حق من حقوق الإنسان وجب تمتيع المواطنين به، وكل دفاع عنها فهو دفاع عن جانب مهم من حقوق الإنسان. ويكفي تدليلا على ذلك تكريس هذا الحق في المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948، وفي المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1966.
وهو عين ما جاء في التوجيهات الملكية السامية المضمنة برسالة صاحب الجلالة الملك محمد السادس -حفظه الله- الموجهة إلى مؤتمر العدالة الأول بمراكش سنة 2018، حيث قال إن: “مبدأ الاستقلال لم يُشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضي”.
وإذا تقرر هذا، تبين أن مناط حماية حقوق الإنسان في كل دولة هو استقلالية السلطة القضائية، إذ لا ضمان لهذه الحقوق إلا بها وعن طريقها، لذلك جاء النص على هذه العلاقة الجدلية ضمنيا في الفصل 117 من الدستور المغربي، القائل: “يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون”.
ومهما يكن من أمر، فإن “نادي قضاة المغرب”، وإيمانا منه بالدور الخطير الذي يلعبه القضاء في ضمان حقوق الإنسان، لم يكتف بتضمين هذه الثقافة في وثائقه وأدبياته، وإنما تجاوز ذلك إلى أجرأتها على أرض الواقع، وذلك من خلال دفاعه عن استقلالية السلطة القضائية وتحصينها في العديد من المحطات، وتأسيس مجمل مواقفه بخصوص ذلك على الشِّرعة الدولية لحقوق الإنسان، سواء العامة منها أو تلك المتصلة بالقضاء.
ولا ريب أن الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية بما هو ممارسة حقوقية، ينطوي، من باب أولى وأحرى، على الدفاع عن الضمانات الممنوحة للقضاة التي هي أساس تلك الاستقلالية في بعدها الوظيفي، إذ لا يمكن تصور هذه الاستقلالية في غياب التنزيل الحقيقي لضماناتها، والتي لا تخرج، بأي حال من الأحوال، عن ترسانة حقوق القضاة المنصوص عليها في الدستور والقانون والإعلانات الدولية. وهذه الحقوق، وإن مُنحت للقضاة، فإنها ممنوحة في عمقها لفائدة صاحب الحق في استقلالية القضاء، وهو: المواطن.
لذلك، يتعين النظر إلى حق المواطن في استقلالية السلطة القضائية نظرة شمولية، تَعتبر حقوق القضاة جيلا جديدا من حقوق الإنسان، وتُدخل في الاعتبار علاقتها الوجودية بضمان تلك الاستقلالية.
وبغض النظر عن هذا الجانب من الفعل الحقوقي لـ “نادي قضاة المغرب”، فقد أسس هذا الأخير عدة مبادرات كان الهدف منها أجرأة ثقافة حقوق الإنسان وتكريسها على مستوى الممارسة القضائية، ومن أهم هذه المبادرات تبنيه لمشروع: “إعمال الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان أمام المحاكم الوطنية”، والذي تم بشراكة مع جمعية المحامين والقضاة الأمريكان، حيث نُظِّمت بموجبه عدة ورشات تكوينية لفائدة القضاة في مختلف الدوائر الاستئنافية، أطَّرَها مختصون في هذا المجال.
وجدير بالذكر في هذا المقام، أن هذا الانخراط الحقوقي يَمْتَحُ وجودَه ودعمه، فضلا عن دستور المملكة المغربية لسنة 2011 وقوانينها المكملة له، من الانخراط الكلي لبلادنا في تفعيل منظومة حقوق الإنسان، وذلك على مستويين اثنين:
الأول: من خلال مساهمتها في تطوير آليات هذه المنظومة على الصعيد الدولي، والمشاركة في وضع المعايير الرامية إلى حماية الحقوق المكرسة بمقتضاها والنهوض بها، وكذا المصادقة والانضمام إلى مختلف مواثيقها وآلياتها.
الثاني: من خلال إحداثها للمؤسسات الوطنية الداعمة لها، خصوصا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمندوبية السامية لحقوق الإنسان، ووسيط المملكة، دون أن ننسى دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة في تنفيذ برنامج تعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان.
وإذا كانت هذه الوَمَضات عن جزء من تحولات حقوق الإنسان بالمغرب، فما هي الرهانات التي نطمح إليها كمجتمع ديمقراطي حداثي في هذا المجال ؟ وهو ما نأمل أن تجيب عنه توصيات أشغال هذه الندوة التي نتمنى لها التوفيق والسداد.
وشكرا جزيلا.
رئيس “نادي قضاة المغرب”
مراسلة سعيد بندهيبة :النهار نيوز المغربة
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.