أهمية الدعاء ومناجاة الله عز وجل، وكيف نظر الإسلام إليه؟ وما مدى الحاجة إليه؟ وما هي ثماره وفوائده ؟ وماهي شروط قبوله ؟، أسئلة نجد أجوبتها ضمن مداخلة رئيس مؤسسة الملتقى الدكتور مولاي منير القادري التي كانت مدرجة السبت السابع من الشهر الجاري، ضمن فقرات ومواد الليلة الرقمية 116 ، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال في إطار فعاليات ليالي الوصال ” ذكر وفكر “.
استهلها القادري بالتأكيد على أن الدعاء وسيلة العبد الضعيف الملهوف، يتوجه بها إلى الله تعالى طلبا لإصلاح دينه ودنياه ، وأضاف أنه من أفضل العبادات الجليلة التي يتقرب بها الإنسان من الله عز وجل طلبا للعون منه وأن يشمله برحمته ولطفه في سائر أحواله وفي عاجله وآجله، وزاد أنه مخ العبادة بل هو العبادة نفسها، وأنه طريق معرفة الله تعالى بالتذلل والخضوع، مذكرا بقوله تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (سورة الأعراف، الآية:64) وبالحديث النبوي الشريف الذي رواه رواه النعمان بن بشير أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّعاءُ هوَ العِبَادَةُ ».
وأبرز مقاصد الدعاء في الإسلام بأنه وسيلة لربط الإنسان بالله سبحانه وتعالى والتوجه إليه والاعتراف بين يديه بالذنوب، والتذلل إليه، وإظهار فقره ورغبته في إصلاح نفسه، وتعريفه بحقيقة ذاته وإشعاره بضعفه وحاجته إلى خالقة، مستشهدا بمجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة منها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «ليسَ شيءٌ أَكْرَمَ على اللَّهِ تعالى منَ الدُّعاءِ ».
وتابع في نفس السياق مبرزا ثمار الدعاء وفوائده ، منها : أنه يدفع البلاء لقوله صلى الله عليه وسلم:. «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة » ، وقول ابن القيم: “الدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفع أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح الؤمن”.
وذكر في نفس المضمار بعض شروط قبوله ومنها: أن لا يكون القلب خاليا أجوف، مذكرا بمجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة منها بقوله الله سبحانه وتعالى في هذا المعنى: { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (سورة غافر، الآية:14)، مفسرا الآية بقول الإمام المناوي: « أي لا يعبأ سبحانه بسؤال سائل غافل عن الحضور مع مولاه مشغوف بما أهمه من دنياه، والتيقظ والجد في الدعاء من أعظم آدابه ».
وحضَّ المتدخل على ضرورة الدعاء بقلب متيقظ خال من النزوات والشهوات والعلائق، موردا قول الفخر الرازي: « أجْمَعَتِ الأمَّةُ عَلَى أنَّ الدُّعَاءَ اللسَانِيَّ الخَالي عن الطلب النفساني قليل النفع عديم الأثر».
وبين أركان الدعاء وأجنحته وأسبابه وأوقاته انطلاقا مما جاء في تفسير القرطبي: « إن للدعاء أركان وأجنحة وأسبابا وأوقاتا فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق أجنحته طار في السماء، وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق أسبابه نجح» ، موضحا أن أركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع، وأجنحته الصدق ومواقيته الأسحار وأسبابه الصلاة على المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم.
كما فصَّل في بيان أسباب قبول الدعاء، ذاكرا منها: تحري المأكل الحلال وترك الذنوب وسيء الأفعال، وفعل الصالحات من الأعمال موردا مجموعة من أقوال السادة العلماء منها قول شيخ الإسلام ابن تيمية: “التوَسُّلُ والتوَجُّهُ إلَى اللهِ وسؤَالُهُ بالأعمال الصالحة التي أمر بهَا هُوَ كدُعَاءِ الثلَّاَثَةِ الذين آووا إلى الغار بأعمالهم الصالحة، وبدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم، فهذا مما لا نزاع فيه، بل هذا من الوسيلة التي أمر الله بها في قوله تعالى:{ يَا أيُّهَا الذْينَ آمنوا اتَّقُوا اللهَ وابْتَغُواْ إليْهِ الوَسِيلَةَ}. (سورة المائدة، الآية:35.) ، وقوله سبحانه وتعالى: {أولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (سورة الإسراء، الآية:57) “.
ورغب رئيس مؤسسة الملتقى في لزوم باب الدعاء وعدم تركه بقوله: “وجه وجهك مضطرا وأخلص بقلبك في الدعاء لمولاك، فهو المنعم المتفضل لِهُدَاك، ادعوا الله في ثلث الليل الأخير، ادعوه بين الآذان والإقامة، ادعوه قبل غروب الجمعة، ادعوه في وقت نزول المطر، ادعوه في الرخاء، ادعوه في وقت الشدة، ادعوه في السفر والحضر، عود لسانك الدعاء ولا تفتر ولا تنقطع”، موردا قول الحافظ الذهبي:« منْ أدْمَنَ الدُّعَاءَ وَلاَزَمَ قَرْعَ البَابِ فُتِحَ لَهُ ».
وأوضح أن دعاء الله تعالى هو شفاء للقلوب به تتحقق سعادة الدارين ، وأن فيه راحة للنفس وشفاء لما في الصدور، يجده فيه العبد أنسا وسعادة ، ويبث فيه كل ما يختلج في صدره طالبا من خالقه الرحمة والمغفرة والحفظ وتفريج الهموم والحياة الكريمة السعيدة، مما يثمر الطمأنينة والسكينة ويمنح الأمل والثقة واليقين في موعود الله ويدفع اليأس القاتل والحزن الثقيل والحيرة المدمرة ، وأردف أن الداعي يستحضر في قلبه وفكره عظمة الله عزوجل ، وأنه على كل شيء قدير، وأن بابه مفتوح حين تغلق الأبواب، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، مستشهدا بمجموعة من الآيات القرآنية منها قوله عزوجل : ( إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ( ( سورة يس الآية 82).
واختتم مداخلته بالإشارة الى أن المتأمل في غايات ومقاصد النبوة يجد أن التربية الروحية المتوازنة والمثمرة واللجوء إلى الله تعالى في السراء والضراء هي من المقاصد الجليلة والغايات الكبيرة التي يتوخاه ديننا الحنيف، وزاد موضحا أنها تربية تعنى بمعالجة القضايا الأخلاقية والتنمية الروحية للإنسان بتوازي مع معالجة مشكلات الحياة الأخرى لأن التنمية الروحية هي جوهر بناء الإنسان وأساس نهضة المجتمع بل هي مرجع العمران البشري في الأرض.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.