النهار نيوز
متابعة من بروكسيل
بقلم د. إبراهيم ليتوس باحث أول ورئيس قسم التطرف العنيف بمركز بروكسيل الدولي للأبحاث وحقوق الإنسان
لقد تجمعت الإيديولوجية اليمينية المتطرفة اليوم، إلى حد كبير حول فكرة، أن العودة إلى دولة عرقية بيضاء متجانسة بأنها كفيلة أن تحل جميع المشكلات الفردية والثقافية والإقتصادية. ويجب تحقيق هذا الهدف من خلال عملية ديمقراطية، إن أمكن ، لكن ، إذا تعذر ذلك، فيمكن اللجوء إلى أي وسيلة أخرى تحقق غايتهم وأخذ الأمور بأيديهم لتحقيق أحلامهم.٠وهذا الفارق بين النشاط اليميني المتطرف وإيديولوجية الإرهاب هو الذي يجعل التدخل بانتظام ، لا سيما في مجال المتابعة وجمع المعلومات الاستخباراتية والأمن القومي لإيقافهم ومحاكمتهم صعبة جدا .أما من وجهة النظر التعريفية وكنظرية ، فيمكن تعريف نشاط الجناح اليميني بأنه : شكل من أشكال النشاط الذي يهدف إلى تغيير المجتمع والذي يتضمن أفكارًا راديكالية تتعلق برهاب الأجانب ، والكراهية ضد مجموعات الأقليات وتتبنى أفكار التفوق القومي التطرفي، ولكن من خلال البقاء ضمن حدود القانون و دون الإخلال بالنظام العام، وتصبح هذه الأفكار متطرفة فقط، عندما يفكرون ويقومون بالإعداد و التجنيد لتحقيق أهدافهم الأيديولوجية حتى ولو في خرق القانون إذا لزم الأمر ، ولكن ليس بالضرورة، أن تكون لديهم نية للقيام بأعمال مادية في المستقبل القريب. بينما التطرف العنيف والإرهاب على حسب التعاريف المعمول بها ، هو التصعيد الأيديولوجي النشط والتحضيرلأعمال عنف خطيرة أو ارتكابها ضد الأشخاص أو الأهداف المادية بهدف دفع وتسريع التغيير الاجتماعي ، وغرس حالة من الخوف والكراهية والإرتباك و / أو التأثير على صناع القرار السياسي .بينت لنا الكثير من الدراسات حول الراديكالية والتطرف بأنه يمكن للعديد من المحفزات أن تحول المتعاطفين من اليمين المتطرف إلى نشطاء متطرفين و إلى متشديين ومن ثم إلى إرهابيين ، (بمزيج من العوامل ) مثل التغيير في ظروف الحياة الشخصية ، وتأثيرات الأقران ، والأحداث السياسية المحلية والدولية والسياسات العمومية الحكومية. ولهذا يبقى تقييم التهديد والمخاطر مرهونا بشكل كبير، على المخبرين الذين يتسللون إلى الجماعات والشبكات اليمينية لجس النبض ، مع مراقبة الأفراد المدرجة في قاعدة بيانات الجماعية المعروفة ب ج. ج . ب. والتي لها استخدام محدود للغاية ومخصصة للأجهزية الداخلية و المعنية فقط . أوجه التشابه بين التطرف اليميني والإسلامييُظهر التطرف البنيوي والإيديولوجي وطريقة ظهوره وانتشاره العديد من أوجه التشابه مع التطرف الديني . فكلاهما نشأ عن الإحباط الشخصي المرتبط بتدهور الظروف الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ، والتأثير ، والتنقل ، والآفاق ، والمواقف . كلاهما يلقي باللوم على الجماعات الخارجية القائمة على أسس دينية و / أو عرقية و / أو ثقافية والتي تنبثق منها أيديولوجية تؤسس للكراهية والتي تربط وجودها من أجل البقاء باتهام الآخرين. كلاهما ينمو في البحث عن الجدل ، وبتكريس نظريات المؤامرة ، ونشر النزاعات ، وخلق الفوضى لتعزيز صحة خطابهم ونشره للآخرين. كلاهما يؤمن بتبرير العنف ضد “الآخر” ويتهمون كل حكومة لا تلتزم بأجندتهم أو تهدد أسلوب حياتهم. كلاهما سلطوي في الأساس. كلاهما غير مهتم بالحوار ولا يأبه في إيجاد أرضية مشتركة للتعايش . انتشر كلاهما بشكل متزايد عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي الفضاء الرقمي . كلاهما يصعب تحديد الحدود بين الغضب العاطفي المقبول والكراهية المنحازة المقيتة ، ولا يميزون بين الحقائق والدعاية ، وبين القانونية والإجرامية ، وبين النشاط والتخريب ، وبين الحماية والعدوان. كلاهما يميل أيضًا إلى الإنقسام الداخلي مع مرور الوقت ، ليصبحوا راديكاليين ونخبويين بشكل متزايد. كلاهما يعتبران نفسيهما صالحين – وليسوا مجرمين – وأنهما واقفان في الجانب الصحيح من التاريخ ، كلاهما معاد لليهود ومعاد للديمقراطية .ما يميزهم عن غيرهم ليس جوهر أيديولوجيتهم أو أساليبهم الكراهية فقط ، ولكن التمييز يظهر بشكل أساسي لكونهم ينظرون إلى أنفسهم أنهم ، هم الأشخاص الطيبون وغيرهم، هم الأشرار. لديهم نظرة ثنائية إلى العالم وهويتهم الذاتية منغلقة و لديهم عالم مثالي، يهيمن عليه إعتقادهم بسيادة العرق الأبيض المتفوق وراثيا في حالة اليمين المتطرف أوعند الإسلامويين المتشددين أنهم الأعلى أخلاقيا وأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة . فمن هذا المنظور ، المتطرفون الإسلامويون واليمين المتطرف يغذيان بعضهما بعضا ويقويان بعضهما بعضا ، وكلاهما يغذيان الكراهية العرقية والدينية والإيديولوجية العنيفة ٠ نظرًا لأن التطرف ينتشر في الغالب من خلال مجموعات الأقران وبنشر الشرخ والإنقسام من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ، فإن التطرف ، أصبح جزءًا أساسيًا وغالبًا ما يهيمن على الهوية الشخصية والثقافية ، ومن الصعب جدًا اختراقه وتغييره. أضف إلى ذلك ، أنهم يرون معظم الإجراءات والحقائق والقصص والأفعال المضادة على أنها تأكيد على تحيزها وأنها جزء من نظريات المؤامرة. وعلينا أن ندرك أنه كلما قمنا بمزيد من التصنيف للمتطرفين على أنهم عنصريين أوالقول بأن المتطرفين متعصبون ، دون معالجة هيكلية وجذرية للقضايا الإجتماعية والإقتصادية التي تدفعهم نحو التطرف ، ستصبح تلك التصنيفات بالنسبة لهم عنصر جذب لإستقطاب الآخرين نحوهم .لذلك ، ففي كلا المجموعتين ، تكون الطريقة المستدامة لمكافحة التطرف والإرهاب هوالدخول في حوار مفتوح مع الأعضاء الرئيسيين – بالطبع مع أولئك الذين لم يشاركوا في أعمال إجرامية. ويجب أن تبدأ هذه العملية العلاجية ،أولا باعتراف بصحة المظالم والتجارب والتظلمات المتصورة لديهم ، بالإضافة إلى الاعتراف بأوجه القصور الحكومي لمعالجة هذه القضايا بشكل مناسب. سنرى أن هذا المجال المتكافئ والمفتوح من الحوار والسماح بإشراكهم في عملية إيجاد حل هيكلي هو الذي ربما سيحدد المسار الذي يجب أن تسلكه الدولة في المعالجة والذي سيوفربديلاً أفضل لحل تلك القضايا التي يطرحونها ، إن لم يكن مجديا عند الكل فعند البعض على الأقل، مما سيجعل الحديث عن أإيديولوجيتهم المتطرفة ونظرتهم للعالم ضرورية في المعالجة . ومع ذلك ، لا يمكن أن تنجح هذه العملية إلا إذا تم إجراؤها بكل حرية وسرية بعيدًا عن وسائل الإعلام أو الخطاب السياسي ، مما يخلق مساحة آمنة للمناقشة المفتوحة والمتبادلة ، المشابهة للجلسات العلاجية . فالعمل بهدوء بعيدا عن الأضواء، ، على الأقل حتى يتم الإتفاق على الحلول وأن يؤخذ الإذن وتتم الموافقة من الأطراف كلها على السماح بنشرها في الصحافة والإعلام . تزايد مؤشرات القلقلسوء الحظ ، فإن النهج التشاركي هذا لا تستعمله الدولة حاليا بما فيه كفاية، مع أنه في غاية الأهمية .
وبدلاً من ذلك ، هناك مقاربات أخرى معروفة، كالتي تركز على النهج الأمني الحالي وهي بشكل أساسي تعتمد على التسلل والمعلومات والوقاية والإحتواء ؛ في حين أن العملية السياسية والمجتمعية هي في الغالب هي مستمرة في عملية التهميش ، و وفرض العزلة ، ولا تعمل على نبذ المظالم – ومن المفارقات – أن توصيل هذا الحس الأخلاقي والفكري إليهم ، يتطلب شجاعة كافية ، من الدولة نفسها، للقيام بمشاركة جادة للحوار مع الجماعات المتطرفة أو بمراجعة فكرية معهم، وبطبيعة الحال يجب أن يكون ذلك ، بعيدًا عن عدسات الكاميرا والمنابر الإعلامية كما قلنا.في حالة العسكري المتطرف يورغن كونينكس ، فإن التركيز المفرط لبعض السياسيين ذوي الميول اليسارية على إيديولوجيته اليمينية المتطرفة من غيرتحديد – وبعد تركيز العسكري على رفضه لسياسات الحكومة المتبعة للحد من وباء كورونا كذلك، أصبحت الإدانة العلنية لجميع أولئك الذين يظهرون أي دعم لأفكاره، حتى السياسي اليميني المعتدل في حالة خشية، لمطاردة أي شخص يدعم القومية أو يختلف مع سياسات الحكومة ، مما يعزز المزيد من دعم المواطنين لهذا المتطرف العسكري ويساعد على نشر هذا النوع من التطرف المغلف في زمن كورونا .لذلك لا ينبغي أن نتفاجئ بأن عدد الأشخاص الذين يتعاطفون مع اليمين المتطرف في ارتفاع حاد ، حيث أشارت بعض استطلاعات المستقلة إلى أن أرقام الحقيقية هي ضعف التقديرات الرسمية المعلن عنها .الأمر الأكثر إثارة للقلق هو مشاركة الكثير من الشباب اليميني في تدريب شبه عسكري والذي قدرته بعض مراكزالأبحاث بأنه فاق ألفين متطرف مدرب في السنوات الأخيرة، لا سيما في المعسكرات المتواجدة في أوروبا الشرقية (المجر وسلوفينيا وجمهورية التشيك) وروسيا ؛ وأما القلق الآخر فهو في انتشار أفكار اليمين المتطرف بين رجالات الدولة وموظفيها والمفترض فيهم أن يكونوا هم القدوة و هم حماة دولة الحق و الأوائل في إنفاذ القانون ، ونقصد برجال الدولة : الشرطة وحراس السجون وعناصر في الجيش البجيكي، بل إن الأخطر من هذا كله أن البعض من هؤلاء لديه إمكانية الوصول إلى الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، طالما أنهم في أماكن حساسة لذلك ندعو الحكومات الأوروبية إلى إعادة التفكير سياساتها الأمنية لكل الأنواع من التطرف، بما في ذلك التطرف اليميني المتشدد والعمل لإيجاد حل هيكلي الآن للتطرف اليميني مثله مثل التطرف الديني لأنهما وجهان لعملة واحدة، والإسراع في ذلك، طالما أن التدخل لعلاج هذه الظاهرة المتنامية ممكناً و قبل فوات الأوان.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.