الديموقراطية الحزبية ، الإختلاف في الرأي والتوجه ، حق الأقلية في الدفاع عن رأيها ، كلها مفاهيم على رغم تباينها في الشكل ، فهي تشكل آلية متراصة ومتصلة في الحياة الحزبية المغربية ، ويبدو ربط هذه المفاهيم في علاقاتها بالممارسة الحزبية الوطنية تطرح أكثر من تساؤل وتحيل القارئ المهتم والمتتبع للشأن الحزبي لأكثر من مرجع ، مما يعني القول بأن الوضعية الحالية التي يعرفها المشهد الحزبي ، تطرح أزمة حقيقية قد تشوش على أي محاولة للفهم والتقييم .
نطرح السؤال ، فنقول : كيف يمكن أن يستقيم العمل الحزبي ، بإعتباره عملا سياسيا ، دون الإسناد للديمقراطية ؟ وأيضا كيف يمكن الحفاظ على وحدة الحزب دون إشاعة ثقافة الديمقراطية ، وأيضا كيف يمكن أن تحترم حقوق الأقلية بشكل يضمن لها حق الدفاع عن نفسها بدون الديمقراطية ؟ وماذا يمكن أن يحدث للذين يختلفون في الرأي والتوجه أو يعترضون على سياسة الحزب بدون أن تلفق لهم تهم من فصيلة الفوضوية والإنتهازية والهدم والخيانة وهلما جرا . . .
نعم ، يمكن القول أن الديمقراطية غائبة في علاقات الحزب بباقي مكونات المشهد الحزبي الوطني كما تنعدم في ارتباطات قيادات الأحزاب بقواعدها وهذا الغياب يرتبط قسرا بغياب مذهبي واضح ، بإعتبار أن الفراغ المذهبي يجعل من الصراعات الداخلية شخصية ويفتح المجال لحرب المواقع والصراع من أجل الوصول إلى السلطة ، وقد تأكد هذا الطرح ومايزال حيث يلاحظ أن تاريخ الصراعات والخلافات داخل أغلب الأحزاب السياسية لم يكن صراعا على أساس إختيارات مذهبية أو سياسية فكيف يمكن والحالة هذه تصور أحزابا سياسية عصرية ، حداثية ، دون برامج سياسية ، بما يعني ذلك ، مرجعية فكرية تشكل خلفية معتمدة لدى الحزب ، إن غياب برنامج سياسي واضح مبني على تصورات مذهبية ، يلغي أهم صبغة تطبع الحقل السياسي وتزيل أهم الأسس ، وهي التنافسية والصراع في حدود اللعبة السياسية .
هذا الإرتباط ، ليس بشيء مجرد . بل هو يحدث في سياق معين وفي اطار معين ، وهو اترتباط تحكمه ظروف طبيعية وديمغرافية ، اقتصادية ومعرفية ، في تركيبات اجتماعية معينة في موازين قوى معينة . هذه الظروف ليست محايدة ، بل هي تفرض ضغوطا وضوابطا ، وحدودا ، وبالتالي فالمرحلة الراهنة تستدعي قراءة جديدة ومغايرة في آفق صياغة أسئلة جديدة تسأل الواقع وتسائله من حيث هو واقع جاري بلا هوادة .
نعم أن الآحزاب السياسية ، مدعوة الى لعب دور أكبر دون التأطير والتعبئة ، على جملة من المستويات سياسية ، اقتصادية ، ثقافية ، . . . .الخ ، ولا يقف هذا الدور عند حدود تأطير المناضلين والمواطنين للمشاركة في الإستحقاقات السياسية وكفى . . . بل يتعداه لأن يكون نبضا حيا للمجتمع وطموحاته المشروعة .
ولن يتحقق هذا المسعى مالم تعمل الأحزاب السياسة على إعادة البناء على أسس جديدة بعيدا على لغة الخشب والبوليميك السياسي في بلد يضم أكثر من ثلاثين حزبا تتشابه في خطابها وممارساتها والتي خيبت آمال الشعب المغربي ففقدت مصداقيتها وثقة المواطنين وهذه آزمة مركبة .
بقلم مصطفى حناوي
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.