■ متابعة : رحال الأنصاري
ليس من اليسير أن يتحول منتخب جهوي إلى فاعل وازن في النقاشات الدولية ولا أن يشق ابن الصحراء طريقه نحو المنابر الأممية والأوروبية بثقة وهدوء غير أن محمد آبا استطاع أن ينسج مساراً مختلفاً قوامه التراكم والاشتغال بعيداً عن منطق الاستعراض ليغدو واحداً من الأصوات الصحراوية التي فرضت احترامها في فضاءات الترافع والدبلوماسية الموازية
ينتمي محمد آبا إلى جيل جديد من المنتخبين الذين تجاوزوا التصور التقليدي للمسؤولية المحلية مؤمنين بأن تدبير الشأن الجهوي لا ينفصل عن الدفاع عن القضايا الاستراتيجية للوطن فمن قلب جهة العيون الساقية الحمراء راكم تجربة سياسية ومؤسساتية مكنته من الانتقال من فضاء التدبير المحلي إلى فضاء الترافع الدولي حاملاً معه صوت الساكنة وواقع الميدان
وشكلت مشاركته في أشغال اللجنة الرابعة والعشرين التابعة للأمم المتحدة إحدى أبرز محطات هذا المسار هناك لم يظهر محمد آبا كمتدخل بروتوكولي بل كفاعل صحراوي يتحدث من موقع المعايشة لا من منطلق الشعارات الجاهزة فقد ركز في مداخلاته على إبراز التحولات التنموية العميقة التي عرفتها الأقاليم الجنوبية مؤكداً أن أبناء الصحراء هم المعنيون أولاً بالدفاع عن قضيتهم وأن الترافع الحقيقي ينطلق من الواقع الملموس
هذا الحضور الدولي لم يتوقف عند الأمم المتحدة بل امتد إلى الفضاء الأوروبي خاصة فرنسا حيث شارك في لقاءات سياسية واقتصادية وقدم مداخلات داخل مجلس الشيوخ الفرنسي هناك اختار خطاباً عقلانياً هادئاً يخاطب المؤسسات بلغة المصالح المشتركة مسلطاً الضوء على أهمية الاستقرار في الأقاليم الجنوبية وعلى آفاق التعاون اللامركزي بين الجهات المغربية ونظيراتها الفرنسية
وخلال اللقاءات الاقتصادية التي احتضنتها العاصمة باريس برز محمد آبا بوجه آخر وجه المنتخب الذي يؤمن بأن التنمية هي أقوى أشكال الترافع السياسي فقد ركز على المؤهلات الاقتصادية لجهة العيون الساقية الحمراء وعلى فرص الاستثمار في قطاعات حيوية كالصيد البحري والطاقات المتجددة إضافة إلى دور المشاريع الكبرى في خلق فرص الشغل وتعزيز الاستقرار الاجتماعي
ما يميز تجربة محمد آبا هو غياب الصدامية في الخطاب مقابل حضور قوة الحجة لا يرفع صوته لكنه يترك أثراً لا يبحث عن العناوين العريضة لكنه يصنع المضمون يؤمن بأن الشرعية تُبنى من العمل الميداني وبأن التنمية ليست شعاراً سياسياً بل ممارسة يومية تنعكس على حياة المواطنين
محمد آبا ليس مجرد منتخب جهوي أو متدخل في محفل دولي بل نموذج لفاعل صحراوي اختار الدفاع عن وطنه من موقع المسؤولية والالتزام مساره يعكس التحول العميق الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية من مجال يُتحدث عنه إلى فاعل حاضر داخل النقاش الدولي هو مسار رجل آمن بأن الانتماء يُترجم بالفعل وأن خدمة الوطن تبدأ من الجهة لكنها لا تنتهي عند حدودها
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.



