قدمت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مذكرة ترافعية مطولة بشأن رؤيتها الحقوقية لقانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الذي دخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر 2025..
وتتفاعل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، التي يترأسها الأستاذ نوفل البعمري، مع قانون المسطرة الجنائية الجديد انطلاقا من مبادئها التأسيسية ودورها الترافعي لبناء نصوص قانونية ملائمة للاتفاقيات الدولية والالتزامات الحقوقية للمغرب، خاصة أن هذا القانون ينظم حقوق المواطنين من لحظة الإيقاف إلى صدور الحكم مرورا بجميع الإجراءات المسطرية.
ويأتي هذا التفاعل مواكبا لتراكم الملاحظات التي قدمتها المنظمة منذ مذكرتها لسنة 2018 حول السياسة الجنائية، مع التركيز على ضمان المحاكمة العادلة كحق أساسي يتحقق عبر عدالة جنائية إجرائية منصفة، مستندة إلى الدستور والمعاهدات الدولية..
وجرى إعداد هذه المذكرة لتأطير تطبيق القانون برؤية حقوقية شاملة، تُطرح تزامنا مع دخوله حيز التنفيذ لمواكبة ممارسته وضمان توازن متطلبات النظام العام مع حماية الحقوق والحريات.
مذكرة ترافعية
بشأن رؤية حقوقية لقانون رقم 03.23 القاضي بتغير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر2025
لماذا هذه المذكرة؟: تتفاعل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مع مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر 2025 انطلاقاً من مبادئها التأسيسية ومرجعتيها الحقوقية ودورها الترافعي للإسهام في تجويد النصوص القانونية وجعلها ملائمة للاتفاقيات الدولية الحقوقية و لإلتزامات المغرب الحقوقية ذات الصلة بالحقوق و الحريات.
واعتبارا لما لقانون المسطرة الجنائية من ارتباط مباشر بالحقوق والحريات باعتباره النص الذي ينظم حقوق المواطنين والمواطنات لحظة إيقافهم إلى النطق بالحكم مروراً بمختلف الإجراءات المسطرية التي يتم اتخاذها من طرف النيابة في إطار المبادئ التوجيهية الكبرى التي وضعتها خلاصات المناقشات التي تمت حول السياسة الجنائية بالمغرب.
وأخذاً بعين الاعتبار لكل الملاحظات التي سبق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان أن رفعتها حول السياسة الجنائية في مذكرتها الترافعية لسنة 2018، وما تلاها من مذكرات وندوات تم تنظيمها في إطار الدينامية التي دفعت بها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مواكبةً منها لهذا المسار التشريعي لنص قانوني يُعتبر في حالة تماس مباشرة مع حريات المواطنين.
نص المذكرة الترافعية:
بشأن رؤية حقوقية لقانون رقم 03.23 القاضي بتغير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر2025
لماذا هذه المذكرة؟: تتفاعل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مع مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر 2025 انطلاقاً من مبادئها التأسيسية ومرجعتيها الحقوقية ودورها الترافعي للإسهام في تجويد النصوص القانونية وجعلها ملائمة للاتفاقيات الدولية الحقوقية و لإلتزامات المغرب الحقوقية ذات الصلة بالحقوق و الحريات.
واعتبارا لما لقانون المسطرة الجنائية من ارتباط مباشر بالحقوق والحريات باعتباره النص الذي ينظم حقوق المواطنين والمواطنات لحظة إيقافهم إلى النطق بالحكم مروراً بمختلف الإجراءات المسطرية التي يتم اتخاذها من طرف النيابة في إطار المبادئ التوجيهية الكبرى التي وضعتها خلاصات المناقشات التي تمت حول السياسة الجنائية بالمغرب.
وأخذاً بعين الاعتبار لكل الملاحظات التي سبق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان أن رفعتها حول السياسة الجنائية في مذكرتها الترافعية لسنة 2018، وما تلاها من مذكرات وندوات تم تنظيمها في إطار الدينامية التي دفعت بها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مواكبةً منها لهذا المسار التشريعي لنص قانوني يُعتبر في حالة تماس مباشرة مع حريات المواطنين.
وحيث أن الحقوق التي وجب ضمانها تُعتبر من الحقوق الأساسية على رأسها الحق في محاكمة عادلة، وهي المحاكمة العادلة التي لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود نص تشريعي يحقق العدالة الجنائية في بعدها الإجرائي العام والخاص.
لكل ذلك فقد تم إعداد هذه المذكرة الترافعية لتأطير هذا القانون برؤية حقوقية تستند على التراكم الحقوقي الذي حققه المغرب في المجال الإصلاح التشريعي، وعلى الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والمقتضيات الدستورية التي جاء بها دستور فتح يوليوز 2025، مواكبة من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان لتنزيل هذا القانون منذ لحظة دخوله حيز التنفيذ. كما تم إعداد هذه المذكرة لطرحها تزامناً مع دخول القانون حيز التنفيذ يوم الإثنين 8 دجنبر 2025، لمواكبة تطبيقه اعتباراً لقيمته الحقوقية لوجوده في حالة تماس مع الحقوق والحريات.
تقديم عام: لقد جاء القانون رقم 03.23 بتغيير القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في إطار ملائمة التشريع الجنائي الوطني مع المقتضيات الدستورية ومبادئ المحاكمة العادلة المتعارف عليها عالميا، وكذا ترجمة المجهودات التي يبذلها المغرب في احترام حقوق الإنسان وصون حرياته والحفاظ على المصلحة العام والنظام العام وسلامة الأشخاص والممتلكات بهدف مواكبة تكريس دولة الحق والقانون بما يتماش مع نظام العدالة الجنائية الحديثة.
كما جاء في ظل سياق التحديات التي تواجهها السياسة الجنائية بالمغرب، والثغرات التي ظهرت مع الممارسة العملية بعد مرور أكتر من 20 سنة على صدور القانون الحالي.
بروز هده التحديات لمسته المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بشكل رئيسي في ارتفاع نسبة الجريمة كماً وكيفاً مما ترتب عنه ارتفاع وتضخم ملحوظ في القضايا الجنائية، إذ بلغ عددها سنة 2024 ما مجموعه 2.550.636 قضية بالمحاكم الابتدائية تمثل نسبة 60% من مجموع القضايا الرائجة، أما على مستوى محاكم الاستئناف بلغ عدد القضايا الزجرية 386.578 قضية بما يمثل نسبة 70% من القضايا الرائجة.
كما توصلت النيابة العامة خلال سنة 2024 بما يقارب من 2,5 مليون محضر و600.000 شكاية وتم تقديم حوالي 640.000 شخص أمام النيابة العامة، أحيل منهم 90.000 على الاعتقال الاحتياطي.
وباستقراء هذه الإحصاءات نؤكد على كون كثرة القضايا وضعف ومحدودية الإمكانيات المتاحة على مستوى الموارد البشرية والبنيات التحتية واللوجيستيكية سيكون له أثر كبير على فعالية المنظومة و جودة أداء العدالة، كما أن السياسة الجنائية الرامية إلى مكافحة الجريمة والوقاية منها يجب أن تستحضر مختلف التحولات الاجتماعية والاقتصادية المجتمعية التي لها تأثير كبير على تطور معدل الجريمة بشكل عام.
هنا يمكن إدراج أن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان سبق وأن تناولت عدداً من القضايا التي تهم إصلاح منظومة العدالة ببلادنا وصون حقوق الإنسان من خلال قضاء نزيه وفعال يوفر حماية حقيقية للمتقاضين.
وبما أن النص التشريعي الذي نحن بصدده يتعلق بالمسطرة الجنائية نؤكد في هذا المقام أنه من زاوية مقاربة حقوقية موسعة يقع على عاتق القوانين حماية حقوق الأفراد والمجتمع من خلال ضمان حقوق المتقاضين الأساسية المرتبطة بالعدالة ومن أهمها حق الولوج إلى العدالة والذي يقتضي أن تكون الإجراءات القضائية في متناول الجميع بما في ذلك إمكانية الاستفادة من المساعدة القضائية وأن يضمن القانون حماية الحق في الولوج إلى العدالة للفئات في وضعية هشاشة، كما أن مبدأ المساواة أمام القضاء يشمل جزءاً أساسيا من دولة الحق والقانون، والحق في المحاكمة العادلة بما في ذلك ضمانات الإجراءات وفي صدارتها قرينة البراءة والحق في الدفاع وحق المحاكمة في أجل معقول والحصول عنى حكم محلل وعلني، كل هذه المبادئ والمرتكزات الأساسية يتم الدفع بها لتسويغ ودعم المبادرات التشريعية المتعلقة بإصلاح العدالة عموماً، كما هو وارد في ديباجة القانون رقم 03.23.
المنهج المعتمد في قراءة القانون 03.23.
وعياً بالأثر البنيوي للمسطرة الجنائية على حماية حقوق المتقاضين وضمانات المحاكمة العادلة، فإنه يقتضي ملائمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع المعاهدات الدولية المتعلمة بحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني، التي صادقت عليها المملكة وانضمت إليها، وكذا على ضوء الملاحظات الختامية والتوصيات الصادرة عن أجهزة المعاهدات الأممية الخاصة بالتقارير المقدمة لها من لدن الحكومة لذلك فإن كل مراجعة للمسطرة الجنائية يجب أن تندرج في إطار سياق شامل لإصلاح القانون الجنائي على قاعدة رؤية مندمجة للسياسة الجنائية وأولوية المنطق الوقائي وإعمال الضمانات الدستورية في مجال حقوق المتقاضين وملائمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أو انظم إليها .
إن الآثار المعياري للبعد الاتفاقي المتعلق بالممارسة الاتفاقية المغربية في مجال حقوق الإنسان وحدود التفاعل مع مخرجات توصيات الاستعراض الدوري الشامل ونظام التقارير يقتضي تسجيل بعض الملاحظات بشأن الأنظمة الإجرائية المتعلقة بمعيارية الديباجة ونظام إجراءات الحراسة النظرية وموصيات اللجوء إلى إجراءات التحقيق الاحتياطي والحق في الإطلاع ونظام التسليم.
فإذا كان قانون المسطرة الجنائية هو قانون مكافحة الجريمة فهو قانون أيضاً ينظم علاقة الفرد بالسلطة في بعدها المعياري المرتبط بمعيارية القوانين الدستورية ومعيارية الاتفاقيات الدولية ومقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
إذن بأي بعد معياري مرجعي يقتضي الاعتماد عليه لبناء قانون مسطري منصف وعادل يحقق التوازن بين متطلبات النظام العام و ضمانات الحقوق والحريات ويحقق نوع من التوازن بين الفرد ومؤسسات الشرطة القضائية وقضاء النيابة العامة وقضاء التحقيق على أساس احترام المبادئ الأساسية في مجال حقوق الإنسان ومعاير المحاكمة العادلة من حضورية وتوازن بين الأطراف والفصل بن السلطات المعلقة بممارسة الدعوى العمومية والتحقيق وهيئات الحكم ومحاكمة الأشخاص الموجودين في شروط مماثلة على أساس نفس القواعد وأصل البرادة والشك يفسر لصالح المتهم والأجل المعقولة والحق في مؤازرة محامي.
وهنا نستحضر في قراءتنا للقانون رقم 03.23 القاضي بتغير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية المبادئ والمرتكزات، الواردة في مادته الأولى “الحق في الولوج الى العدالة، المحاكمة العادلة، إصدار الأحكام و تنفيذها في أجل معقول…” فإننا سنحرص على دراسة مدى استجابة المشروع لعدد من التحديات التي استشعرها الممارسون في حقل العدالة ومن أهمها:
انطلاقا من كونها تدبيرا استثنائيا مقيداً للحرية، يستدعي ضمانات قانونية دقيقة، تشمل:
– تأطير الحق في الصمت.
– التوثيق الكامل لتصريحات المشتبه فيهم.
– تعزيز الرقابة القضائية على أعمال الشرطة القضائية.
وتأسيساً على ما سبق، فإن اعتماد هذه المبادئ والمقتضيات ينسجم مع توجهات لجنة مناهضة التعذيب الرامية إلى تقوية ضمانات الأشخاص المحرومين من حريتهم، خاصة أن المملكة المغربية صادقت على الاتفاقيات الأساسية التي تشكل العمود الفقري للمنظومة الحقوقية الدولية، مما يلزمها بتقديم تقارير دورية إلى اللجان التعاهدية التسع المكلفة برصد تنفيذ الاتفاقيات.
ويأتي في مقدمة هذه الالتزامات التقرير الوطني المقدم في إطار الفقرة الخامسة من مرفق قرار مجلس حقوق الإنسان 16/21، خلال الدورة السابعة والعشرين للفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل المنعقدة ما بين 1 و13 ماي 2017، والذي أكد على أهمية تبني المعايير الدولية المتعلقة بإجراءات الحراسة النظرية، وشرعية الاعتقال الاحتياطي، والفحص الطبي، والرقابة القضائية، إلى جانب مراجعة النصوص المنظمة للجرائم الإرهابية، وخصوصا مراجعة مدة الحراسة النظرية وضمان الاتصال الفوري بالمحامي.
هذه المقتضيات المعيارية تجد سندها كذلك في تقرير المقرر الخاص المعني بالتعذيب، السيد خوان إ. منديس، الذي أشار إلى أن القانون رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب يمدد مدة الاحتجاز إلى 96 ساعة قابلة للتجديد مرتين، ما يسمح باحتجاز الأشخاص لمدة تصل إلى 12 يوما بموافقة النيابة العامة، دون المثول أمام قاض. كما أن الاتصال بالمحامي لا يسمح به إلا بعد تجديد الحراسة بثمان وأربعين ساعة، وتحت مراقبة الشرطة.
وقد عبر المقرر الخاص عن قلقه من أن هذه القيود، ولا سيما المتعلقة بالاتصال المبكر بالمحامي، تضاعف من خطر ممارسة التعذيب، كما أعرب عن انشغاله من عدم التفعيل الكامل لحق المحاماة داخل أجل 24 ساعة في الدعاوى الجنائية العادية، وعن القيود الواردة في القانون رقم 03.03، التي تسمح بالحبس الاحتياطي عبر ثلاث فترات من 96 ساعة دون تمكين المشتبه فيه من محام إلا نصف ساعة، وتحت الحراسة. ومن ثم، أوصى بما يلي:
• تعديل قانون مكافحة الإرهاب (03.03) لتقليص المدة الإجمالية للحبس الاحتياطي.
• مراجعة المادة 290 من قانون الإجراءات الجنائية لتشمل معيار الاستدلال المطبق على الجنح والمخالفات، والتعامل مع محاضر الشرطة كأحد وسائل الإثبات، لا دليلا قائماً بذاته.
• التنصيص صراحة على أنه في حال وجود ادعاء بالتعذيب أو سوء المعاملة، يتعين على النيابة العامة إثبات أن الاعتراف لم ينتزع بأساليب غير مشروعة، وفق معيار “دون أي شك معقول”.
– الأطروحة الثالثة: الاعتقال الاحتياطي
يعد الاعتقال الاحتياطي من أخطر الإجراءات السالبة للحرية التي قد تتخذ في مواجهة الأفراد خلال مرحلة ما قبل المحاكمة، لما يترتب عليه من مساس جسيم بحرية الشخص وكرامته وافتراض براءته، وبالنظر إلى هذه الأهمية، فإن النقاشات التشريعية والحقوقية تجمع على ضرورة ترشيد اللجوء إلى هذا التدبير الاستثنائي، وذلك عبر مجموعة من المداخل المعيارية والإجرائية، أبرزها ما يلي:
• ترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، من خلال تقييد استخدامه في الحالات القصوى التي تتوافر فيها مبررات قانونية قوية، كوجود خطر على النظام العام أو قرائن جدية على ارتكاب الجريمة، مع منح الأولوية لتدابير المراقبة القضائية البديلة، الأمر الذي ينسجم مع المبادئ الدولية ذات الصلة، لاسيما قاعدة افتراض البراءة وضمانات المحاكمة العادلة.
• تقليص مدة الاعتقال الاحتياطي،حيث يعتبر تقليص الآجال القصوى للاعتقال الاحتياطي إحدى الركائز الأساسية لضمان عدم تحوله إلى عقوبة مقنعة تنفذ قبل صدور حكم بالإدانة، وتقتضي العدالة الجنائية أن يتم تحديد مدد الاعتقال بشكل صارم ومضبوط، مع منع أي تمديد غير مبرر لها، بما يحقق التوازن بين متطلبات التحقيق وحماية الحرية الفردية.
• تعليل قرارات تمديد الاعتقال الاحتياطي،فالقرار بتمديد الاعتقال الاحتياطي يجب أن يبنى على تعليل قانوني وواقعي مفصل، يبرز مدى استمرار توافر الشروط القانونية التي تبرر هذا التدبير. ويعد هذا التعليل شرطا جوهرياً لمشروعية القرار، وركيزة أساسية للرقابة القضائية عليه، تفعيلا لمقتضيات المحاكمة العادلة ومبادئ الشفافية القضائية.
• إقرار إمكانية الطعن في شرعية الإيداع في السجن، كون أنه يجب فتح المجال للطعن في قرار الإيداع رهن الاعتقال الاحتياطي، سواء من طرف المتهم أو دفاعه، أمام جهة قضائية مستقلة، تملك صلاحية فحص مدى احترام الضمانات القانونية عند اتخاذ هذا القرار، ومدى مشروعيته، مما يكرس حق الدفاع ويحمي الأفراد من أي شطط في استعمال السلطة.
• استبدال تمديد الاعتقال الاحتياطي بتدابير بديلة،حيث ينبغي أن يتيح النظام القانوني إمكانية اللجوء إلى تدابير بديلة عن التمديد في الاعتقال، كالخضوع للمراقبة القضائية، أو سحب جواز السفر، أو فرض الإقامة الجبرية، أو الأداء المالي، وغيرها من الإجراءات التي تحقق غايات التحقيق دون المساس المفرط بالحرية. فاستمرار التمديد دون وجود مبرر قانوني أو اعتماد على تدابير بديلة يشكل خرقا لحقوق الإنسان ولمبادئ العدالة الجنائية المتعارف عليها دوليا.
وبالتالي إن معالجة إشكالية الاعتقال الاحتياطي تفرض اعتماد مقاربة شمولية تراعي التوازن بين فعالية العدالة وحقوق الأفراد، انسجاما مع مقتضيات الدستور المغربي الذي يكرس قرينة البراءة كحق أصيل، ومع الالتزامات الدولية للمملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يدعو إلى الحد من حالات الاعتقال السابق للمحاكمة وضمان حق الطعن في قانونية هذا الإجراء.
المتحدة لمكافحة الفساد التي تحث على إشراك الأفراد والمجتمع المدني ووسائل الإعلام في التبليغ عن الفساد.
من جهة أخرى، فإن التقييد الجديد قد يفرغ القضاء من صلاحيات أساسية، خصوصا فيما يتعلق بمراقبة المال العام وزجر الجرائم التي تستهدفه، في خرق صريح لمبدأ استقلال القضاء المكرس في الفصل 107 من الدستور، ولدور القضاة في حماية حقوق الأفراد والجماعات كما يقره الفصل 117.
كما أنه يتناقض مع المادتين 40 و49 من قانون المسطرة الجنائية اللتين تمنحان للنيابة العامة صلاحية تلقي المحاضر والشكايات والوشايات واتخاذ ما تراه مناسبًا بشأنها، بما في ذلك التحريك التلقائي للدعوى العمومية، بصرف النظر عن مصدر المعلومات أو طبيعة الجريمة.
علاوة على ذلك، فإن هذا التعديل قد يقوض فعالية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي تنص على تقوية آليات المتابعة والزجر، وتوسيع قنوات الإبلاغ والنشر، كأحد المحاور الأساسية في تعزيز الشفافية. ومن جانب آخر، فإن حصر تحريك الدعوى العمومية في الجهات الإدارية قد يتناقض مع مقتضيات القانون الجنائي، خصوصا ما يتعلق بإلزامية التبليغ عن الجرائم كما ينص عليه الفصلان 209 و299، في حين يتيح القانون الجنائي آليات صارمة لمتابعة من يثبت تورطه في تقديم وشايات كاذبة أو ممارسة القذف أو الابتزاز، مما يوفر ضمانة كافية ضد سوء استعمال الحق في التبليغ.
أما الاستثناء المرتبط بحالة التلبس، فيجمع العديد من الفاعلين، الذين تم الاستماع إليهم من قبل المجلس، على صعوبة تطبيقه في سياق الجرائم المالية، وذلك نظرا لتعقيد هذه الأخيرة، وكونها لا ترتكب بطريقة آنية أو ظاهرة، بل غالبا ما تتم عبر مراحل دقيقة ومعقدة، وهو ما يجعل تفعيل مفهوم التلبس كما تنظمه المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية أمرًا نظريًا وغير عملي.
مع كل هذه الملاحظات الجوهرية حول هذه المادة التي أثارت نقاشاً حقوقياً و مدنياً واسعاً، فإنه يمكن القول بشكل عام بأنه لا تزال هناك إمكانية التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام متاحة، سواء من قبل الأشخاص الذاتيين أو المعنويين، بما فيهم الأفراد والجمعيات، من خلال تقديم شكاياتهم إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، التي يخول لها القانون استقبال الشكايات والمعلومات المرتبطة بالفساد الإداري والمالي، على النحو الذي ينص عليه الفصل 36 من الدستور، وتملك الهيئة بعد التحقق من مضمون الشكايات، إحالتها إلى رئاسة النيابة العامة، بما يضمن انخراط المجتمع في مكافحة الفساد وفق مقاربة تشاركية متلائمة مع الالتزامات الدولية للمملكة، ويعزز دور هيئات الحكامة المستقلة في رصد التجاوزات، شريطة تمتيعها بالاستقلالية الكاملة والفعالية اللازمة.
وبالرغم من هذا التوجه الحداثي، لا يمكن إغفال بعض مظاهر القصور التي تعتري هذا المشروع، من قبيل تقييد دور المجتمع المدني، من خلال وضع قيود على انتصاب الجمعيات كطرف مدني، مما قد يقلص من دورها الرقابي في ملفات الفساد والجرائم الكبرى، وكذا ضعف التفاعل مع الجرائم البيئية رغم تزايد خطورتها. كما يبقى مطلب ترسيخ العدالة التصالحية في السياسة الجنائية الحالية محدودًا من حيث نطاق التطبيق، بالرغم من إدراج بعض المقتضيات التي تشير إلى الحلول البديلة في بعض الجرائم البسيطة، بما يبرز حاجة ملحة لتطوير هذا الخيار كإحدى ركائز العدالة الفعالة.
وإجمالاً، فإن المشرع من خلال هذا القانون، يسعى إلى إعادة تشكيل السياسة الجنائية الوطنية بما يجعلها أكثر فعالية وشمولية، قائمة على توجيه تدخل القضاء الزجري نحو محاربة الجريمة في سياق احترام الكرامة الإنسانية، وحماية المصلحة العامة، وتكريس مبدأ النجاعة في الأداء القضائي. إلا أن هذا الورش، رغم أهميته، يظل رهيناً بقدرة الدولة على مواكبة التنزيل السليم والفعلي لهذه التعديلات، وتوفير الوسائل القانونية، المؤسسية، والتقنية الكفيلة بتحقيق التحول المنشود نحو عدالة جنائية حديثة، متوازنة، وناجعة.
ان قانون المسطرة الجنائية، يتضمن إحالات متعددة على نصوص تنظيمية يتوقف تفعيل عدد من مقتضياته الأساسية على صدورها، كما هو الشأن بالنسبة للمواد: 7، 66-2، 66-3، 471، و654-1. غير أن المشروع لم يُقرن هذه الإحالات بآجال زمنية واضحة ومُلزمة، سواء لإصدار النصوص التنظيمية نفسها أو لدخول المقتضيات المرتبطة بها حيز التنفيذ، ما يطرح إشكالات عملية قد تعوق تنفيذ القانون وتفرغ بعض أحكامه من محتواها.
وتتجلى خطورة هذا الفراغ الزمني بشكل خاص في المادة 66-3 المتعلقة بشروط وكيفيات إجراء التسجيل السمعي البصري، التي تربط تفعيلها بصدور نص تنظيمي، مع تعليق نفاذها الفعلي على مرور خمس سنوات بعد صدور هذا الأخير، وفق ما نصت عليه المادة 755. وهو ما قد يُفضي في المحصلة إلى تعطيل تنفيذ مقتضيات حيوية من شأنها تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وحماية حقوق المشتبه فيهم، وصيانة كرامة الأشخاص الموقوفين.
لذا، فإن من أبرز الملاحظات الشكلية التي تثيرها الصياغة الحالية للقانون، غياب التحديد الدقيق والملزم للآجال المتعلقة بإصدار النصوص التنظيمية، وهو ما يتنافى مع متطلبات الأمن القانوني وجودة التشريع، و قد كان يفضي ضرورة مراجعة هذه النقطة قصد تفادي تعليق فاعلية المقتضيات القانونية على آجال غير محسومة، قد تُفقد النص روحه وتضعف من أثره العملي في الواقع.
بالنظر إلى ما أسفر عنه تحليلنا لمضامين القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، واستنادًا إلى الملاحظات الشكلية والموضوعية التي وقفنا عندها، فإننا نخلص إلى مجموعة من التوصيات التي نأمل أن تسهم في تجويد النص، وتوفير شروط ملاءمته مع مستلزمات إصلاح منظومة العدالة، وضمان نجاعة السياسة الجنائية وفعاليتها في حماية الحقوق والحريات وتحقيق الأمن القانوني والقضائي.
التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، بما يعزز من مردودية الأداء القضائي وجودة الأحكام والتقارير والمساطر، و يبسط الولوج للعدالة بالنسبة للمتقاضين و دفاعهم.
بالنظر إلى ما سبق، نخلص إلى أن تفعيل مضامين مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية لن يحقق مراميه إلا من خلال تنزيل متدرج وواعٍ يراعي الإكراهات الواقعية، ويستحضر الحاجة إلى توجيه التشريع نحو خدمة العدالة، لا الاكتفاء بتحديث شكلي للنصوص، كون أن إعادة بناء عدالة جنائية تستجيب لتحديات العصر وتطلعات المواطنين، تقتضي تخطيطًا مؤسساتيا محكما، وتعبئة للإمكانيات المادية والبشرية، واعتماد آليات للرصد والتقييم المستمر تسهم في تقويم المسار وضمان الأثر الإيجابي للإصلاح.
نرجو أن تشكل التوصيات المعروضة في هذا السياق مدخلا عمليا لبناء منظومة جنائية حديثة، تنسجم مع المقتضيات الدستورية، وتترجم التزامات المملكة الحقوقية، وتستجيب لانتظارات المجتمع في عدالة ناجعة، منصفة، وفعالة.
على سبيل الختم:
إن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان و هي تصوغ مذكرتها الترافعية حول مشروع قانون المسطرة الجنائية و إن كان هذا المشروع قد قطع أغلب أشواطه التشريعية، فإن تقديم هذه المذكرة برأيها المستند على المعيار الحقوقي الصِّرف يجعل منها مذكرة ستظل لها أهميتها خاصة لحظة دخوله حيز التنفيذ و الإنتقال لمرحلة تطبيق المسطرة الجنائية بمضامينها الجنائية المستجدة التي ستُوحب على القطاع الحكومي الوصي على تنزيلها استحضار كل الملاحظات التي تم تقديمها سواء في هذه المذكرة أو غيرها قصد الأخذ بها لتجويد الممارسة بما يخدم السياسة الجنائية و أهدافها الكبرى انطلاقاً من مرتكزاتها الكبرى، و هو ما سيجعلنا كمنظمة مغربية لحقوق الإنسان مواكبين لهذا المسار المرتبط بالممارسة لضمان حماية حريات الأفراد و حقوقهم الأساسية.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
