يشهد المغرب اليوم أخطر أزمة مجتمعية منذ الاستقلال، أزمة تمس جوهر الدولة: الصحة والتعليم. ما كان يجب أن يكون حقًا للمواطن، أصبح اليوم سلعة في سوق مفتوح تتحكم فيه لوبيات مالية جشعة، بتواطؤ حكومات وأحزاب ونقابات وإعلام مأجور وجمعيات تدّعي الدفاع عن الفقراء والمهمشين الكادحن.
العدالة والتنمية وفتح بوابة الجشع الصحي المتوحش.
منذ حكومة عبد الإله بنكيران العدالة والتنمية ووزيره في الصحة الحسين الوردي حزب التقدموالاشتراكية، بدأ التحول الخطير الذي جعل القطاع الصحي المغربي يُسلَّم للخواص ولأباطرة المصحات الخاصة ومختبرات و الأدوية. فبدل تقوية المستشفيات الصحة العمومية، اختارت تلك الحكومة فتح الأبواب على مصراعيها أمام المستثمرين المتوحشين في قطاع الصحة، تحت غطاء ما سُمِّي “الشراكة بين القطاعين العام والخاص”، والتي تحولت في الواقع إلى استعمار اقتصادي داخلي جديد.
اليوم، نعيش نتائج تلك السياسات الكارثية للعدالة والتنميةو حلفائها:
شركة أكديطال تهيمن على السوق الصحي المغربي وتفرض أسعارًا خيالية على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
تكلفة العلاج تضاعفت مقارنة بما كانت عليه قبل عشر سنوات أي قبل تولي بنكيران رئاسة الحكومة.
المواطن البسيط أصبح عاجزًا عن العلاج، بينما تتضخم أرباح أصحاب المصحات إلى أقام فلكة.
كل هذا يجري بعلم الدولة وصمت البرلمان والأحزاب الإعلامالمأجور، التي تواطأت أو استفادت من الوضع القائم.
التعليم: من حق إلى امتياز طبقي
أما التعليم، فهو يعيش الانهيار نفسه. حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة لم تُصلح التعليم العمومي بل ساهمت في تدميره، مفسحة الطريق أمام التعليم الخصوصي الذي أصبح تجارة مربحة ومصدر نفوذ ساسي اجتماعي. النتيجة واضحة:
أبناء الفقراء في مدارس متهالكة بلا تجهيزات.
أبناء النخبة يتخرجون من مؤسسات خاصة تؤهلهم للهيمنة الاقتصادية والسياسية.
هذا ليس خطأ عابرًا، بل اختيار سياسي مقصود: تحويل الصحة والتعليم من حق دستوري إلى امتياز لمن يملك المال، ومن خدمة عمومية إلى مشروع استثماري ضخم تسيطر عليه الشركات المرتبطة بمراكز القرار.
جيل Z: وعي جديد يهدد منظومة الفساد
وسط هذا الانهيار، يبرز جيل Z المغربي — جيل وُلد في زمن التكنولوجيا، ويقرأ الواقع بعيون ناقدة.
جيل لا يصدق الخطابات الرسمية ولا ينخدع بالشعارات الوطنية الفارغة المغلفة بالتهمش و التفقير والتجويع و التجهيل.
جيل يعرف جيدًا أن العدالة والتنمية رفعت شعار الإصلاح في ظل الاستقرار لكنها سلمت مفاتيح الدولة للوبيات المال والصحة والتعليم المتوحشين.
هذا الجيل يدرك أن اختياره الدفاع عن التعليم والصحة ليس عبثًا ولا اندفاعًا عاطفيًا، بل موقف وعي سياسي عميق، لأن من يسيطر على المدرسة والمستشفى يسيطر على المجتمع.
جيل Z اليوم يرفض أن يكون مجرد رقم انتخابي أو أداة دعائية، بل يطالب بمحاسبة من باعوا القطاعات الحيوية، وباسترجاع كرامة المواطن المغربي.
الخطر القادم والحل الممكن
إذا استمر هذا المسار، فإن المغرب سيتجه نحو انهيار اجتماعي خطير:
●إفلاس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خلال خمس سنوات.
●هجرة الأطر الطبية والتعليمية نحو الخارج.
●انفجار اجتماعي تقوده فئة شابة لم تعد تؤمن بالأحزاب أو الوعود الكاذبة.
●الحل لن يكون بترقيعات تقنية، بل عبر تغيير جذري في المنظومة السياسية والاقتصادية، يبدأ بـ:
1. استرجاع الدولة لدورها في الصحة والتعليم.
2. محاسبة المسؤولين عن السياسات التي أفقرت المواطن وسلمت الخدمات الأساسية للوبيات.
3. فتح نقاش وطني حول العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية في مغرب القرن 21.
*من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى*
*عزيز الدروش محلل سياسي وفاعل وطني*
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.