بقلم: محمد اكن
في هذا الصباح تلقيت النسخة العربية من كتاب “الثورة الإبراهيمية” للصديق توم فاغنر
ففي جوهر كتابه هذا، يقدم الكاتب توم فاغنر قراءة جريئة لاتفاقيات إبراهيم، ويصفها بأنها ليست مجرد صفقات سياسية، بل حركة ثورية دبلوماسية يمكن أن تغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. فاغنر لا يكتفي بسرد الأحداث، بل يحاول أن يفسر الدوافع العميقة وراء هذه الاتفاقيات، وأن يرسم تصورًا لما يمكن أن يكون عليه مستقبل المنطقة إذا ما نجحت هذه الثورة في تغيير العقلية السياسية والثقافية المتجذرة.
وما اثار انتباهي في هذا الكتاب انه بدأ اولا بجذور الصراع:
مساءلا :لماذا كان السلام مستحيلًا؟
يبدأ فاغنر بتحليل الخلفيات التاريخية للنزاع العربي-الإسرائيلي، مركزًا على التعقيدات الدينية والسياسية التي حالت دون تحقيق السلام لعقود. يشرح كيف أن التوترات بين الطوائف المختلفة، والتدخلات الإقليمية والدولية، واستغلال الجماعات المتطرفة للفوضى، شكلت حاجزًا شبه مستحيل أمام أي مبادرة حقيقية. هذا الفصل ليس مجرد تأريخ، بل إطار لفهم الواقع الحالي، وفاغنر يصر على أن السلام لا يمكن أن يُبنى إلا عبر فهم جذور الصراع بدقة.
لماذا اولا الثورة الإبراهيمية؟
وكيف لهذه المبادرة أن تغير قواعد اللعبة ؟
بالانتقال إلى جوهر كتابه، يقدم فاغنر الثورة الإبراهيمية كـنموذج دبلوماسي جديد: تعاون بين دول ذات أديان وثقافات مختلفة، قائم على الثقة والاحترام المتبادل. ويشدّد على أن هذه الاتفاقيات لا تمثل مجرد صفقات سياسية لحظية، بل إطارًا استراتيجياً لبناء تعاون طويل الأمد، يمكن أن يكون بمثابة نقطة تحول حقيقية في العلاقات الإقليمية.
ما يميز رؤية فاغنر هو أنه لا يبالغ في التفاؤل؛ فهو يعترف بالتحديات الكبرى، لكنه يرى أن المبادرة تحمل في طياتها إمكانية تغيير العقلية التقليدية للمجتمع الإقليمي، عبر التركيز على الحوار والتفاهم المشترك، بدل الصراعات القديمة التي ورثتها الأجيال.
فاغنر لا يتغاضى عن الواقع، ويخصص فصلًا كاملًا لمناقشة العقبات التي قد تهدد نجاح الثورة الإبراهيمية. أهم هذه العقبات:
1. المقاومة الداخلية: فصائل متطرفة أو أحزاب سياسية ترى في التغيير تهديدًا لمصالحها التقليدية، وقد تحاول إفشال أي تعاون مستقبلي.
2. التدخلات الخارجية: القوى الكبرى والدول الإقليمية أحيانًا تعمل على عرقلة مسار السلام، أو تحويله إلى لعبة مصالح قصيرة الأمد.
3. ثقافة الكراهية ونقص الوعي: الإعلام والتعليم يلعبان دورًا أساسيًا في تشكيل المواقف المجتمعية، وغياب برامج تعزيز التسامح يجعل من التعايش حلمًا بعيد المنال.
على الرغم من هذه التحديات، ينتهي فاغنر برؤية متفائلة، لكنه واقعية، تؤكد أن نجاح الثورة الإبراهيمية يحتاج إلى استراتيجية شاملة:
تعزيز التعددية الدينية والثقافية.
بناء مشاريع اقتصادية وثقافية مشتركة تعزز التعاون بين الشعوب والدول.
النقطة التي احب ان اضيفها عن مستقبل الثورة الإبراهيمية: دور الشباب العربي
على الرغم من هذه التحديات، يختتم فاغنر برؤية متفائلة لكنها واقعية، مؤكّدًا أن نجاح الثورة الإبراهيمية يحتاج إلى استراتيجية شاملة تشمل:
زيادة على تعزيز التعددية الدينية والثقافية.
وبناء مشاريع اقتصادية وثقافية مشتركة تعزز التعاون بين الشعوب والدول.
هي إشراك الشباب العربي في السياسات العامة والقراءة النقدية، إذ هم الأكثر قدرة على تغيير العقليات وبناء مستقبل مستقر.
ومن هذا المنطلق، أؤكد على أهمية أن يطلع الشباب العربي على الكتب والآراء المختلفة، بما فيها الأقلام الإسرائيلية، لفهم رؤى خصومنا وشركائنا على حد سواء، وتطوير قراءة نقدية واعية تمكنهم من المشاركة بفعالية في صناعة مستقبل منطقتهم
إن إشراك الشباب في السياسات العامة، إذ هم الأكثر قدرة على تغيير العقليات وبناء مستقبل مستقر.
تكمن أهمية كتاب فاغنر في أنه يقدم خريطة طريق ذهنية للسلام، وليس مجرد وصف للأحداث. فهو يوضح كيف يمكن للسياسة أن تتحول من صراعات مدمرة إلى شراكات استراتيجية قائمة على الاحترام المتبادل. ويؤكد أن الثورة الحقيقية تبدأ من العقل قبل الأرض، وأن السلام يحتاج إلى تغيير الثقافة والسلوك السياسي، لا مجرد توقيع اتفاقيات على الورق.
ختاما:
كتاب الثورة الإبراهيمية للصديق العزيز توم فاغنر يطرح تحديًا واضحًا: هل تستطيع المنطقة أن تحول الاتفاقيات الدبلوماسية إلى واقع ملموس؟ رؤية فاغنر تقول نعم، لكنها تشترط شجاعة سياسية، ووعيًا ثقافيًا، واستعدادًا لمواجهة العقبات الداخلية والخارجية.
ما بعد الختام ، الثورة الإبراهيمية كما يراها فاغنر ليست مجرد توقيع اتفاقيات، بل تحول جذري في العقلية والنهج السياسي للشرق الأوسط، وهو ما يجعل الكتاب قراءة أساسية لكل من يسعى لفهم ديناميات المنطقة وفرص السلام المستدام.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.