العربي شريعي
يحل العاشر من غشت كل عام حاملاً معه مناسبة وُلدت عام 2003 لتكون يومًا وطنيًا للاعتراف بإسهامات الجالية المغربية المقيمة بالخارج في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لكن، ومع مرور السنوات، تحوّل هذا اليوم في نظر فئات واسعة من أبناء المهجر إلى موعد يعيد طرح الأسئلة المؤجلة أكثر مما يقدم إجابات، ويستحضر المطالب القديمة التي ما زالت عالقة.
نسخة هذا العام، 2025، رفعت شعار “التحول الرقمي”، وهو ورش مهم وحيوي، لكنه يظل ناقصًا إذا لم يُدعّم بمعالجة جذرية لإشكالات المواطنة، والتمثيلية السياسية، والربط الفعلي للمهاجر بمؤسسات قادرة على الإصغاء وتقديم حلول ملموسة، بدل الاكتفاء بواجهة رقمية براقة.
المهاجر المغربي ليس مجرد تحويلات مالية تُضخ في شرايين الاقتصاد الوطني. إنه إنسان حمل الوطن معه في الغربة، وصمد في وجه الوحدة والعزلة وأحكام الآخرين المسبقة، وتعلّم بصعوبة أبجديات المحيط الجديد حتى لا يُسحق على هامشه.
لكنه، حين يعود إلى بلده، يجد نفسه أمام نفس العراقيل التي تركها خلفه: بيروقراطية خانقة، خدمات إدارية متعثرة، وخطابات رسمية تكرّر الشكر دون أن تغيّر الواقع.
الغربة لم تكن يومًا رحلة سهلة؛ فقد واجه المهاجر صورًا نمطية جارحة، واتهامات بالعنف أو الجهل أو الانغلاق، ووجد نفسه فريسة للشعور بالوحدة وفقدان الجدوى.
ومع ذلك، ظل حبه للوطن قائمًا رغم تناقضات هذه العلاقة. إلا أن الإحباط يتسرب إلى النفوس حين يشعر المهاجر بأن صوته غير مسموع، وأنه مُستحضر فقط في مواسم التصريحات البروتوكولية.
الحقيقة المؤلمة أن الحكومة، رغم تعدد المبادرات، لم تنجح حتى الآن في صياغة سياسة عمومية مندمجة خاصة بمغاربة العالم، ولا في تفعيل فصول الدستور التي تنص على إشراكهم في الحياة السياسية، أو توفير خدمات إدارية تتناسب مع وضعهم وظروفهم. ما نراه هو وصفات مجزأة وتجارب متقطعة، سرعان ما تُهمل قبل أن تؤتي أكلها.
إن اليوم الوطني للمهاجر ينبغي أن يتحوّل من لحظة احتفاء شكلي إلى محطة مصارحة حقيقية، نطرح فيها الأسئلة الكبرى: لماذا نفشل في إشراك المهاجرين في القرار الوطني؟ لماذا تتكرر نفس المشاكل كل عام؟ ولماذا يظل الملف رهين الخطب بدل أن يكون في قلب السياسات العمومية؟
المهاجرون لا يريدون باقات ورد، بل سياسات تحفظ كرامتهم وتربطهم فعليًا بوطنهم. فالوقت قد حان لنتجاوز لغة المجاملات إلى لغة الفعل، وإلا فإن الهوة بين الوطن وأبنائه في المهجر ستزداد عمقًا، وربما تصل إلى نقطة اللاعودة.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


