العيون الجافة خاطرة بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين

voltus19 يوليو 2024آخر تحديث :
العيون الجافة خاطرة بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين

العيون الجافة
خاطرة بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير،يوليوز،2024
مهما تقدم بك العمر فالدمعة لا تغادر العيون ، وليس هناك ما يدفع الكبار للبكاء اكثر من فراق عزيز ، نعم وحده الموت يبكي عيون الكبار .
مات والدي بين يدي بعيدا عن الديار و الإخوة والاخوات ،كان لابد لي لحظتها ان استجمع قوتي حتى استطيع نقل والدي الى بيتنا ،وان أخبر إخوتي بهذا الموت المفاجئ الذي لم يسبقه مرض او اعراض منية .والساعة تقترب من منتصف الليل.
لم أجد فرصة للبكاء حتى واريته التراب في اليوم الموالي ،ساعتها فقط ادركت حجم خسارتي و جسامة مصيبتي .
الفترة بين الموت والدفن التي لم ادمع فيها خلقت عندي نوعا من المصالحة مع الموت ،
و بعدها بسبعة عشر سنة وامي في المصحة تلفظ انفاسها الأخيرة ،كان علي ان ادبر عملية زيارات الاهل للوداع وإلقاء النظرة الأخيرة رغم انها لازالت على قيد الحياة .
وبنفس معاناة الوفاة خارج الديار كان علي نقل والدتي عبر سيارة الإسعاف وهي في انفاسها الأخيرة ليدركها الموت على عتبة بيتنا بمسقط رأسي ،
في اليوم الموالي قبل نقل جثمانها الى مقبرة البلدة ، كانت والدتي ملفوفة في كفنها الابيض الناصح العطر بغرفتها، تمددت الى جانب جسدها الطاهر و قرأت ما تيسر من كلام الله ، وكلمتها عن امور بيننا ،واخرى طلبت منها ان تبلغها الى والدي هناك في الفردوس الأعلى ، كل ذلك ولم تنزل من عيني دمعة .
ولا اعتقد كم مرة حضرت دمعتي في عيني طيلة ايام العزاء ،
بعدها بسنوات وقبل سنة وبضعة ايام من اليوم ، إلتحقت ببلدتي على وجه السرعة بعد الخبر الصاعقة الذي نزل علي بإخباري بوفاة اخي الاكبر الذي كان مثل والدي لم يسبق وفاته مرض ، ولا اعراض .
كان علي ان اباشر عملية الغسل و وضعه في جناح الموتى ممددا قبالتي في ثلاجة حديدية برودتها لو كانت تقدر إطفاء النار التي في جوفي لتمددت فيها إلى جانبه .
يلتحق بي إخوتي تباعا ،وفي كل مرة أدخلهم عليه لإلقاء النظرة الأخيرة ،كانوا يبكون ويتعانقون ، وكنت ارقبهم وعيوني جافة من دمعة تشفي غليلي ،لكنها ايضا غابت وكانني فعلا في مصالحة مع الموت .
تعلمت ان لا ابكي على خبر وفاة ،ولا املك سوى أن اردد : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا .
تعلمت ان ارى في الموت بلسما لكل هؤلاء المعذبين في الارض ، نعم الموت فرج الراحلين.وألم فراق للاحياء.
منذ خلوة كورونا ،وتواثر أخبار موت الاصدقاء تأكد لي ان الموت يحوم حول كل واحد منا ،لكن لا احد يعلم ساعته.
هذا الصباح فقدت شخصا عزيزا علي ،كان ضمن الفريق التقني لقناة اليراع ، وافته المنية بعد ان فشلت كل محاولات انقاذه من إصابات اصابته إثر حادثة سير وقعت قبل قرابة الشهر .
مات سي محمد ، تملكتني رغبة البكاء لكن عيوني جافة من الدموع ، ولكن صورته لا تفارق مخيلتي ، أثر في موته اكثر مما انا توقعت ، لكنني لم ابكي .
نحتاج فعلا ان نبكي من حين لآخر ، قد تدمع عيني في خشوعي ،وانا اتدبر آية من القرآن ، لكنني لا ابكي.
وكأن قوة خارقة تدفع دمعتي الى أحشائي و تزلزل دواخلي ،وتظهرني صلبا في ظاهري محطما في دواخلي …
لاتستهينوا بمن لا يبكي في النوازل ، فوحده الله يعلم حجم البكاء الذي تبكيه جوارحه ،لكن عيناه جافتان من هول ما اصاب صاحبها .
فهل تعتبرون ؟


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

الاخبار العاجلة

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading