مازالت صيحة التحذير التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العام الماضي بخصوص الزيادة السكانية في مصر تعبر عن واقع كارثي قد يعصف بالبلاد ما لم تنخفض معدلات الإنجاب فيها، وقال الرئيس أن الزيادة السكانية من أخطر القضايا التى تواجه مصر، وإن عدد سكان القارة السمراء سيصل إلى نحو 1.6 مليار نسمة خلال سنوات قليلة، ورغم الموارد الكبيرة للقارة إلا أنها ستكون غير كافية مستقبلًا.
وحسب الإحصائيات تعد مصر الأولى عربياً من حيث عدد السكان والثالثة إفريقياً والرابعة عشر عالمياً- بعد بلوغ التعداد السكاني حوالي 105.5 مليون نسمة، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
حيث يولد 5683 طفلا في مصر كل يوم، ويبين اتجاه عدد المواليد السنوي خلال الفترة من 2000 إلى 2019 أن الثبات في عدد المواليد -والذي ظل سائدًا عند مستوى 1.8 مليون مولود سنويًّا في السنوات الخمس الأولى -أعقبه اتجاه إلى الزيادة بدءًا من عام 2006 ليصل إلى 2.7 مليون مولود عام 2014، بزيادة نحو 50% في 8 سنوات، وهى زيادة ضخمة مع الوضع في الاعتبار تبعاتها على قطاعات عديدة، منها قطاع التعليم.
وبحسب الإحصاءات الرسمية فإن معدل الإنجاب العام الماضي بلغ 2.85 طفل لكل سيدة بإجمالي عدد مواليد بلغ 2.2 مليون مولود جديد، وأنه من المتوقع أن يتجاوز التعداد السكاني 123 مليون نسمة في سنة 2032 إن استمر الوضع كما هو عليه الآن. لكنه في حال انخفضت معدلات الإنجاب إلى 1.6 لكل سيدة فإن التعداد السكاني المتوقع سينخفض تباعاً إلى 116.7 مليون نسمة في نفس العام.
ويمكن الاستفادة من تجربة الصين في هذا المجال والتي انفردت باتخاذ إجراءات حادة وطبقتها بطريقة صارمة فقد شهدت تحولًا أكثر سرعة؛ ففي خلال الفترة من 1960 إلى 1980 ارتفع عدد سكان الصين بنحو 51%، لتكسر الصين حاجز المليار نسمة في عام 1980 بعد أن كان عدد سكانها في عام 1960 نحو 660 مليون نسمة. ونتيجة لتطبيق سياسة الطفل الواحد انخفضت معدلات الزيادة السكانية في الصين لتصل إلى 29% خلال الفترة من 1980 إلى 2000. وواصلت الصين ضبط معدلات النمو السكاني خلال الفترة (2000- 2020)، حيث زاد عدد سكانها بنحو 11% فقط. وقد أدى هذا الانخفاض السريع في معدلات الإنجاب إلى زيادة متوسط الإنتاجية.
وفي مصر بالرغم من إطلاق الحكومات المتعاقبة استراتيجيات وطنية بهدف السيطرة على النمو السكاني، فإنها في الغالب لا تلقى آذاناً صاغية لدى قطاعات واسعة من المجتمع.
وعلى الرغم من كل جهود الحكومة في هذا المجال ووضع العديد من الاستراتيجيات لتنظيم الأسرة على مدار سنوات إلا أنه كان هناك اخفاق مستمر في وقف زيادة النسل ويعود هذا لأسباب مختلفة ومتشابكة، منها الثقافة التي تربط الإنجاب بالجاه والمنزلة الاجتماعية، واعتقاد الكثيرين بأن المولود يأتي ورزقه معه. إضافة إلى ذلك، ثمة دوافع اقتصادية واضحة تحفّز المجتمعات الريفية، وحتى العوائل محدودة الدخل في المدن، على الإنجاب بكثرة، لأن الأطفال سيدرّون عوائد مادية في المستقبل بالتحاقهم في سوق العمل النظامي أو غيره.
فهل الزيادة السكانية هي المسؤول الأول عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها مصر وهل يمكن اختزالها في ارتفاع خصوبة المصريين؟! أم أنها مرتبطة بالأساس بسوء إدارة موارد الدولة البشرية والطبيعية والاقتصادية على مدار عقود؟! وعدم استثمار الأراضي الشاسعة حيث يعيش أكثر من مئة مليون على نسبة ضئيلة منها لا تتجاوز 7% من مساحة الدولة المصرية.
وكما بدأت هذا المقال بكلمة الرئيس السيسي في المؤتمر العالمي للسكان للصحة والتنمية أعود إليها لأهميتها ولأنها تجيب عن الكثير من الأسئلة التي يطرحها العقل البشري بخصوص هذه القضية وخاصة حين أشار الرئيس إلى ما جاء بكلمة لإحدى السيدات خلال عرض الفيلم التسجيلي أكدت فيها أن أصعب شيء أن تكون هناك مطالب للأسرة غير قادرة على تلبيتها، وقال “الحقيقة رغم بساطة الكلمة ولكنها عكست إحساسا، وهنا أتحدث بمنتهى الصدق لكم وللمصريين أن أصعب ما أمر به أن أعلم أن حجم المتاح أقل كثيرا مما هو مطلوب، وبالتالي سينعكس ذلك على الجودة في كل شيء”.
وأكد الرئيس السيسي أنه لا يمكن تحقيق منظومة جيدة للتعليم بتكاليف مرتفعة في ظل الحجم الضخم من السكان والموارد القليلة.
وأشار إلى أنه خلال الخمسينيات من القرن الماضي كانت الفجوة ما بين موارد الدولة والنمو السكاني نسبتها تقريبا ما بين 10-12 %، لافتا إلى أن تعداد السكان في مصر آنذاك تراوح ما بين 19-20 مليون نسمة، وبالتالي لم تكن الفجوة كبيرة.
وأضاف “أن هذه الفجوة كان لها تراكمات على مدى 75 عاما مضت، وانعكست على جودة المنتج التعليمي والصحي المقدم للمواطنين”.
ولفت الرئيس السيسي إلى أهمية قضية السكان في مصر ودول العالم التي تعاني من مشكلات زيادة السكان، وقال “إن مصر حدث بها عدة حروب :(حرب 1956، وحرب اليمن، 1967، 1973، والحرب على الإرهاب، والتي استمرت 10 سنوات خلال الفترة من 2011 -2022)، والتي كانت تكلفتها وعبئها على الدولة ضخمة جدا.
ونوه الرئيس السيسي إلى أن حالة الاستقرار والأمن جزء مهم وأصيل في تطوير وتنمية الدولة، وأحد العناصر الهامة في معالجة النمو السكاني، منبها إلى أن النمو السكاني مشكلة كبيرة ستواجه الدولة ونموها واستقرارها، وقال السيسي: إن الإنجاب حرية كاملة، ولكن إذا لم يتم تنظيم هذه الحرية، قد تتسبب في كارثة للدولة، وأن الحرية المطلقة في عملية الإنجاب لأشخاص قد لا يكونون مدركين حجم التحدي، تدفع ثمنه في النهاية الدولة والمجتمع.
ولفت الرئيس السيسي إلى أن معدل الإنجاب الكلي بلغت نسبته 2.1 %، وقال “سبق أن تحدثت عن الحاجة إلى أن نخفض نسبة معدل الإنجاب إلى 1.5 % (ليصل إلى ما يعادل 400 ألف مولود سنويا لفترة زمنية قد تصل إلى 20 سنة) من أجل تعويض ما نشأ من عجز خلال عشرات السنين الماضية، ليتم السماح بعدها للنمو أن يكون بنسبة أكبر”.
إن كلمات الرئيس هي دعوة لكل المجتمع بكافة طوائفه ومنظماته ومؤسساته لإعادة النظر في منظومة الإنجاب في مصر فلم يتبقى الكثير من الوقت حتى تصل الأمور إلى لحظة حتى الموارد القليلة المتوفرة لا تكفي للتقدم للأمام وقد نصل إلى مرحلة أن تصبح كل ما نحلم به لبلدنا غير قابل للتحقيق وأن نعلن بكل أسف أنه لم ينجح أحد.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.