العيون عاصمة المجتمع المدني ومركز التوجه الجيوسياسي نحو إفريقيا: قراءة في مداخلة الدكتور الحسن عبيابة

محرر الموقع27 مايو 2025Last Update :
العيون عاصمة المجتمع المدني ومركز التوجه الجيوسياسي نحو إفريقيا: قراءة في مداخلة الدكتور الحسن عبيابة

بقلم: جمعوي مهتم

 

احتضنت مدينة العيون ندوة وطنية وازنة تحت عنوان “العيون عاصمة المجتمع المدني”، شهدت حضور عدد من الشخصيات السياسية والأكاديمية البارزة، من بينهم الوزير السابق إدريس الضحاك والدكتور الحسن عبيابة، إلى جانب نخبة من الباحثين والمختصين وفعاليات المجتمع المدني وعدد من عمداء الكليات. تميزت الندوة بمداخلات نوعية امتدت على مدار ثلاثة أيام، ومن بين أبرز هذه المداخلات جاءت مداخلة الدكتور الحسن عبيابة، التي حملت عنوان “البعد الجيوسياسي لتنمية الأقاليم الجنوبية نحو التوجه الإفريقي”.

 

استهل الدكتور الحسن عبيابة مداخلته بسؤال استهلالي: “من أين جاءت البداية؟”، في إشارة رمزية إلى لحظة الانطلاق المؤسسة للمشروع الوطني، وهي المسيرة الخضراء التي أبدعها جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، وجعل منها ملحمة وطنية لاستكمال الوحدة الترابية. اعتبر المتحدث أن هذه المسيرة لم تكن مجرد حدث تاريخي، بل شكلت لحظة وعي وطني ربطت الماضي بالحاضر واستشرفت المستقبل، مستحضرة شرعية البيعة وحجية التاريخ وقوته.

 

وفي تناوله لأهمية الأقاليم الجنوبية، أكد الوزير السابق أن هذه المناطق ليست فقط امتدادًا ترابيًا للمغرب، بل تمثل صلة وصل استراتيجية بين المملكة وعمقها الإفريقي الجغرافي والحضاري. واعتبر أن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية هو امتداد للمسيرة الخضراء في شكلها التنموي الحديث، مسيرة من شأنها أن تجعل من هذه الأقاليم قطبًا اقتصاديًا مهمًا في المستقبل القريب. كما أشار إلى خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء، بتاريخ 6 نونبر 2013، والذي أكد فيه الملك حرصه على بلورة وتفعيل نموذج تنموي يعزز البعد الجيو-استراتيجي للأقاليم الجنوبية كمركز للمبادلات بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء.

 

أكد الدكتور عبيابة أن نسبة إنجاز مشاريع هذا النموذج تجاوزت 80%، مضيفًا أن معظم المشاريع الكبرى في مراحلها النهائية، وعلى رأسها ورش ميناء الداخلة الأطلسي، الذي من المرتقب أن يكون جاهزًا سنة 2029، ليمثل بوابة المغرب نحو إفريقيا، أوروبا، والأمريكيتين. كما سيمكن هذا المشروع من تعزيز شبكات الربط القاري وتسهيل حركة المبادلات التجارية وتقوية شراكات “جنوب-جنوب”.

 

وأبرز أن التوجه المغربي نحو إفريقيا ليس خيارًا ظرفيًا أو نتيجة لمتغيرات سياسية مؤقتة، بل هو توجه دستوري نص عليه دستور 2011، الذي أشار إلى ضرورة تعزيز التعاون مع الشعوب الإفريقية، خاصة بلدان الساحل والصحراء. وانطلاقًا من هذا المعطى، فإن المبادرة الأطلسية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس تأتي في سياق هذا التوجه، وتشكل مبادرة ذات أبعاد استراتيجية وجيوسياسية عميقة.

 

وتساءل الدكتور الحسن عبيابة عن سبب انطلاق هذه المبادرة من المغرب دون غيره من الدول الإفريقية الأطلسية مثل موريتانيا أو السنغال، ليقدم مجموعة من المبررات التي تميز المغرب وتجعله مؤهلاً للعب هذا الدور المحوري. من بين هذه الأسباب، القيادة الملكية ذات المصداقية العالية لدى القادة الأفارقة، والتاريخ السياسي العريق للمغرب كأقدم دولة إفريقية قائمة، إضافة إلى الموقع الجغرافي الاستثنائي الذي يمنحه جاذبية جيوسياسية واقتصادية، فضلًا عن الانفتاح الاستثماري المدعوم بميثاق الاستثمار الجديد، والمكانة الدبلوماسية التي يتمتع بها المغرب، إلى جانب الاستقرار الأمني والخبرة المغربية في هذا المجال.

 

كما سلط الضوء على الأدوار الكبرى التي يلعبها المغرب بعد عودته إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، مشيرًا إلى أن المملكة أضحت شريكًا فاعلًا في التكامل القاري وفض النزاعات، من خلال شراكات استراتيجية قائمة على التعاون جنوب-جنوب. وأشار إلى أن استقبال جلالة الملك محمد السادس لوزراء خارجية دول “تحالف الساحل” يمثل خطوة عملية نحو تفعيل المبادرة الأطلسية وتعزيز الروابط التاريخية والجيوسياسية، وهو ما يؤكد الانخراط الفعلي لهذه الدول في المبادرة المغربية واعتبارها فرصة واعدة لتحقيق التنمية والاستقرار الإقليمي.

 

وفي ختام مداخلته، عاد الدكتور عبيابة لطرح سؤال استشرافي: لماذا هذا التكتل الأطلسي الإفريقي الآن؟ ليجيب بأن العالم يشهد تحولات جذرية، حيث انتقل الصراع من بعده الجيوسياسي إلى بعد جيواقتصادي، وأصبحت السيطرة الاقتصادية أهم من التفوق العسكري. وأوضح أن المبادرة الملكية الأطلسية جاءت كإجابة استباقية على هذه التحولات العالمية، بهدف خلق قطب اقتصادي إفريقي جديد على سواحل المحيط الأطلسي، يمكن الدول الأطلسية من الاستفادة الجماعية من ثروات القارة الإفريقية الواعدة، ويؤسس لتعاون دولي وإقليمي طويل المدى.

 

هكذا، قدم الدكتور الحسن عبيابة رؤية استراتيجية واضحة تربط بين التنمية الترابية والتوجه الإفريقي للمغرب، في إطار مشروع ملكي متكامل، يجعل من الأقاليم الجنوبية ركيزة أساسية في تموقع المغرب كفاعل محوري في القارة.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading